ثماني آيات

ثماني آيات لأمة محمد هي خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب

ثماني آيات لأمة محمد هي خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب

ثماني آيات ،،،، يقول سيدنا ابن عباس– رضي الله عنه وعن أبيه-:

في سورة النساء ثماني آيات لأمة محمد هي خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب.

و هذه خواطر الامام الشعراوي عن تلك ال ثماني آيات

ثماني آيات ، الأولى قول الحق:

{يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26]

و هذه أولى ال ثماني آيات

ماذا يبين لنا؟ إنه سبحانه يبين القوانين الحاكمة لانتظام الحياة.
وقلنا إنه لا يمكن أن يوجد تجريم إلا بنص ولا توجد عقوبة إلا بتجريم.
فقبلما يعاقبك على أمر فهو يقول لك:

هذه جريمة ويُنص عليها، إنه لا يأتي ليقول لك:

فعلت الشيء الفلاني وهذه عقوبته؛ لأنك قد تقول له:

انك فعلت هذا الفعل من قبل ولم أعرف أنه جريمة وعليه عقوبة.

إذن فلا يمكن أن تعاقب إلا إذا أجرمت، ولا يمكن أن تجرم إلا بنص.

فيريد الله أن يبصركم ببيان ما تصلح به حركة حياتكم، والله آمن عليكم من أنفسكم، لأنه هو سبحانه الذي خلق وهو يعلم من خلق.

إن سبحانه- وحده- الذي يقنن ما يصلح مخلوقه.

أما أن يخلق هو وأنت تقنن فهذا اعتداء؛ لأنه سبحانه يقنن لما يعلم- ولله المثل الأعلى- وقلنا سابقا:

إن المهندس الذي يصنع التليفزيون هو الذي يضع له قانون الصيانة؛ لأنه هو الذي صمم الآلة، وهو الجدير بأن يضع لها قانون صيانتها، فيعلمنا: المفتاح هذا لكذا، وهذا للصورة وهذا للصوت.

من الموكد أن الذي خلق الإنسان هو الذي يضع قانون صيانته المتمثل في (افعل ولا تفعل).

وترك سبحانه أمورا لم يرد فيها افعل ولا تفعل، وهي متروكة على الإباحة، تفعله أو لا تفعله، إنه سبحانه:

{يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ}، والسنة هي الناموس الحاكم لحركة الحياة.

والحق يقول:

{سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62]

والرسل سبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعرفنا الذين أطاعوا رسلهم ماذا حدث لهم، والذين كذبوا رسلهم ماذا حدث لهم.

لقد قال الحق في شأنهم:

{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40]

فالله يريد أن يبين لنا سنن من قبلنا، أي الطرائق التي حُكموا بها، وماذا حدث لأهل الحق وماذا حدث لأهل الباطل.

إذن فهو ليس تقنينا أصم، بل هو تقنين مسبوق بوقائع تؤكده وتوثقه.

{وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وهو سبحانه يبين ويوضح ويتوب.

{والله عَلِيمٌ} لأنه خالق، {حَكِيمٌ} يضع الأمر في موضعه والنهي في موضعه.

فالحكمة هي:

وضع الشيء في موضعه، وسبحانه يضعه عن علم، فالعلم يقتضي اتساع المعلومات، والحكمة هي وضع كل معلوم في موقعه.

وبعد ذلك يقول سبحانه: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}.

ثماني آيات ، الثانية هي قول الحق:

و ثاني هذه ال ثماني آيات

{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} [النساء: 27]

سبحانه قال في الآية السابقة:{يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}، وبعد ذلك يقول: {وَيَهْدِيَكُمْ}، وبعد ذلك:

{يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، فلماذا جاء أولا ب {يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وجاء هنا ثانيا ب {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}؟

نقول: التوبة لابد أن تكون مشروعة أولا من الله، وإلا فهل لك أن تتوب إلى الله من الذنب لو لم يشرع الله لك التوبة؟

أتصحُّ هذه التوبة؟

إنه سبحانه إذن يشرع التوبة أولا، وبعد ذلك أنت تتوب على ضوء ما شرع، ويقبل هو التوبة، وبذلك نكون أمام ثلاث مراحل:

أولا مشروعية التوبة من الله رحمة منه بنا، ثم توبة العبد، وبعد ذلك قبول الله التوبة ممن تاب رحمة منه سبحانه إذن فتوبة العبد بين توبتين من الرب: توبة تشريع، وتوبة قبول.

{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، ما دام سبحانه قد شرع التوبة أيشرعها ولا يقبلها؟! لا.

فما دام قد شرع وعلمني أن أتوب فمعنى ذلك أنه فتح لي باب التوبة، وَفْتَحُ باب التوبة من رحمة العليم الحكيم بخلقه.

لأن الحق حينما خلق الإنسان زوده دون سائر الأجناس بطاقة من الاختيارات الفاعلة.

أي أن الإنسان يستطيع أن يفعل هذه أو يفعل تلك، وجعل أجهزته تصلح للأمر وللنهي.

فالعين صالحة أن ترى آية في كون الله تعتبر بها، والعين- أيضا- صالحة أن تمتد إلى المحارم.

واللسان صالح أن تسب به، وصالح أن تذكر الله به قائلا: لا إله إلا الله وسائر أنواع الذكر.

فاليد عضلاته صالحة أن ترفعها وتضرب بها، وصالحة لأن تقيل وترفع بها عاثرا واقعاً في الطريق.

هذا هو معنى الاختيار في القول وفي الفعل وفي الجوارح، فالاختيار طاقة مطلقة توجهها إرادة المختار.

وإذا نظرت إلى اليد تجد أنك إذا أردت أن ترفعها، فإنك لا تعرف شيئاً عن العضلات التي تستعملها كي ترفع اليد.

فالذي يرفع يده ماذا يفعل؟

وما العضلات التي تخدم هذا الرفع؟ وأنت ترى ذلك مثلاً في الإنسان الميكانيكي أو تراه في رافعة الأثقال- الونش- التي ترفع الأشياء، انظر كم عملية لتفعل ذلك؟

أنت لا تعلم شيئاً عن هذه المسألة في نفسك، لكنك بمجرد أن تريد تحريك يدك فأنت تحركها وتطيعك.

وعندما يريد المهندس أن يحرك الإنسان الآلي فهو يوجهه بحسابات معينة ليفعل كذا وكذا.

أما الإنسان فيحرك اليد أو القدم أو العين بمجرد الإرادة.

والحق حين يسلب قدرة الإنسان- والعياذ بالله- يصيبه بالشلل.

إنه يريد فلا تنفعل له اليد أو غيرها ولا يعلم ما الذي تعطل إلى أن يذهب إلى الأطباء ليبحثوا في الجهاز العصبي.

ويعرفوا لماذا لم تنفذ أعصابه الأوامر، إنها عملية طويلة.

إذن فالإنسان- عندما يريد الحركة- يوَجِّه الطاعة المخلوقة لله فقط، فليس له فعل في الحقيقة.

فأنا إنْ أثابني الله وجازاني على طاعة فذلك لأنيّ وجهت الآلة الصالحة للفعل إلى عمل الخير.

وعندما تسمع أنه لا أحد بيده أن يفعل شيئاً فهذا صحيح.

لأن أحداً لا يعرف كيف يفعل أي شيء، إنه فقط يريد، فإن وجهت الطاقة للفعل فهذا عملك أنت.

فمعنى الاختيار

– إذن- أن تكون صالحاً للفعل ومقابل الفعل وهو الانتهاء والترك.

وعندما يبين الحق سبحانه وتعالى لك وينزل لك المنهج الذي يقول لك:

وجه طاقتك لهذه ولا توجهها لهذه، معنى ذلك أن طاقتك صالحة للاثنين.

إذن فأنت مخلوق على صلاحية أن تفعل وألا تفعل.

وما تركه المنهج دون أن يقول لك فيه (افعل) ولا (تفعل).

فإن فعلته على أي وجه لا يفسد به الكون ولا تفسد به حركة حياتك فهذا هو المباح لك.

وحينما شرع الحق سبحانه التوبة أوضح:

أنه إذا انفعل مريد لعمل شيء فوجه طاقته لعمل شيء مخالف، قد تكون شهوته أو شٍرّته قد غلبت عليه، فتوجه في ساعة ضعف إلى عمل شرّ؛ لذلك شرعت التوبة لماذا؟

لأننا لو أخرجنا هذا الإنسان من حظيرة المطيعين بمجرد فعل أول عمل شرّ لصارت كل انفعالاته من بعد ذلك شروراً.

وهذا هو الذي نسميه (فاقداً)، فيشرع الحق: إن فعلت ذنباً فلا تيأس، فنحن سنسامحك ونتوب عليك.

فساعة شرع الله التوبة رحم المجتمع من شراسة أول عاصٍ، فلو لم تأت هذه التوبة لكثرت المعاصي بعد أول معصية.

ومقابل قول الحق:

{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وتنبيهه أن الذنوب التي فعلت قبل ذلك يطهرك منها بالتوبة، مقابل ذلك الذين يتبعون الشهوات ويريدون منك أن تأتي بذنوب جديدة.

لذلك يقول الحق سبحانه:

{وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات أَن تَمِيلُواْ} والميل هو ملطق عمل الذنوب.

إنك بذلك تميل عن الحق؛ لأن الميل هو انحراف عن جادة مرسومة لحكيم، والجادة هي الطريق المستقيم.

هذه الجادة من الذي صنعها؟ إنه الحكيم.

فإذا مال الإنسان مرة فربنا يعدله على الجادة مرّة ثانية، ويقول له:

(أنا تبت عليك)، إنه سبحانه يعمل ذلك كي يحمي العالم من شرّه.

لكن الذين يتبعون الشهوات لا يحبون لكم فقط أن تميلوا لمرّة واحدة، بل يريدون لكم ميلاً موصوفاً بأنه ميل عظيم.

لماذا؟

لأن الإنسان بطبيعته- كما قلنا سابقاً- إن كان يكذب فإنه يحترم الصادق، وإن كان خائناً فهو يحترم الأمين.

بدليل أنه إن كان خائناً وعنده شيء يخاف عليه فهو يختار واحداً أميناً ليضع هذا الشيء عنده.

إذن فالأمانة والصدق والوفاء وكل هذه القيم أمور معترف بها بالفطرة.

فساعة يوجد إنسان لم يقو على حمل نفسه على جادة اليم، ووجد هذا الإنسان واحداً آخر قدر على أن يحمل نفسه على جادة القيم فهو يصاب بالضيق الشديد، وما الذي يشفيه ويريحه؟

إنه لا يقدر أن يصوِّب عمله وسلوكه ويقوّم من اعوجاج نفسه.

لذلك يحاول أن يجعل صاحب السلوك القويم منحرفاً مثله.

وإن كانت الصداقة تربط بين اثنين وانحراف أحدهما فالمنحرف يستخذي أمام نفسه بانحرافه.

كما أنه يحاول أن يشد صديقه إلى الانحراف كي لا يكون مكسور العين أمامه.

وهو لا يريده منحرفاً مثله فقط بل يريده أشد انحرافاً؛ ليكون هو متميزاً عليه.

إذن فالقيم معترف بها أيضاً حتى لدى المنحرفين.

واذكروا جيداً أننا نقرأ في سورة يوسف هذا القول الحكيم:

{وَدَخَلَ مَعَهُ السجن فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَآ إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخر إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} [يوسف: 26]

هم في السجن مع يوسف، لكن لكلٍ سبب في أنَّهم سجنوه.

فسبب هؤلاء الذين سألوا يوسف هو أنهم أجرموا.

لكن سبب وجود يوسف في السجن أنه بريء والبريء كل فكره في الله.

أما الذين انحرفوا ودخلوا معه السجن عندما ينظرون إليه يجدونه على حالة حسنة.

بدليل أن أمراً جذبهم وهمّهم في ذاتهم بأن رأوا رؤيا، فذهبوا لمن يعرفون أنه إنسان طيب برغم وجوده معهم في السجن.

فقد أعجبوا به بدليل أنهم قالوا له: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين}.

ومن يقول:

{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} لابد أن تكون عنده قدرة على تمييز القيم، ثم قاسوا فعل يوسف عليها فوجدوها حسنة، وإلا فكيف يُعرف؟.

إذن فالقيم معروفة عندهم، فلما جاء أمر يهمهم في ذاتهم ذهبوا إلى يوسف.

ومثال ذلك:

هناك لص لا يمل من السرقة ولا يكف عنها، وبعد ذلك جاء له أمر يستدعيه للسفر إلى مكان غير مأمون.

فاللص في هذه الحالة يبحث عن إنسان أمين ليقضي الليل عنده ولا يذهب للص مثله.

إذن فالقيم هي القيم، وعندما قال أصحاب يوسف في السجن:

{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين}، استغل سيدنا يوسف هذه المسألة ووجدهم واثقين فيه فلم يقل لهم عن حكايتهم ابتداء ويؤول لهم الرؤيا.

بل استغل حاجتهم إليه وعرض عليهم الإيمان قال:

{ياصاحبي السجن أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} [يوسف: 39]

لقد نقلهم من حكايتها لحكايته، فما داما يريدان استغلال إحسانه فلماذا لا يستغل حاجتهما له ويعظهما ويبشرهما بدين الله؟

وكأنه يقول لهما: أنتما جئتما إلي لأنكما تقولان إنني من المحسنين.

وأنتما لم تريا كل ما عندي بل إن الله أعطاني الكثير من فيضه وفضله، ويقول الحق على لسان يوسف:

{لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 37]
أي أن يوسف الصديق عنده الكثير من العلم، ويقر لهما بفضل الله عليه:

فليس هذا العلم من عندي: {ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي} [يوسف: 37]

وبعد ذلك يدعوهما لعبادة الإله الواحد كي يستنجدا به بدلاً من الآلهة المتعددة التي يتخذانها معبودا لهما وهي لا تضر ولا تنفع.

{أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار} [يوسف: 39]

إذن فالقيم واحدة، والله يريد أن يتوب عليكم.

ولكن الذين يتبعون الشهوات يريدون أن تميلوا ميلاً عظيماً، حتى لا تكونوا مميزين عليهم تميزاً يحقّرهم أمام أنفسهم.

فهم يريدون أن تكونوا في الانحراف أكثر منهم، لأنهم يريدون أن يكونوا متميزين في الخير أيضاً ويقولون لأنفسهم:

(إن كنا شريرين فهناك أناس شرٌّ منا).

ثماني آيات ، والثالثة هي قول الحق:

{يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} [النساء: 28]

ثالث ال ثماني آيات

وما هو ضعف الإنسان؟.

الضعف هو أن تستميله المغريات ولا يملك القدرة على استصحاب المكافأة على الطاعة أو الجزاء على المعصية.

لأن الذي تتفتح نفسه إلى شهوة ما يستبعد غالباً- خاطر العقوبة.

وعلى سبيل المثال، لو أن السارق وضع في ذهنه أن يده ستقطع إن سرق، فسيتردد في السرقة، لكنه يقدر لنفسه السلامة فيقول:

أنا أحتال وأفعل كذا وكذا كي أخرج.

إذن فضعف الإنسان من ناحية أن الله جعله مختارا تستهويه الشهوات العاجلة.

لكنه لو جمع الشهوات أو صعد الشهوات فلن يجد شهوة أحظي بالاهتمام من أن يفوز برضاء ولقاء الله في الآخرة.

وقول الحق:

{يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً}

نلحظ فيه أن التخفيف مناسب للضعف، والضعف جاء من ناحية أن الإنسان أصبح مختاراً وخاصة في أمور التكليف.

فالذي جعل فيه الضعف جعله مختاراً يفعل كذا أو يفعل كذا ولكل أمر مغرياته.

حيث ان مغريات الشهوات حاضرة،

ومغريات الطاعة مستقبله فهو يغلب دائماً جانب الحاضر على جانب المستقبل.

والرابعة هي قول الحق:

{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31]

سيكون لها مقالا خاصا بإذن الله.

ثماني آيات ، والخامسة هي قول الحق:

{إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]

خامس ال ثماني آيات

هذه من أرجي الآيات في كتاب الله، ولذلك فحينما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما موجبات الإيمان؟

اقرأ أيضا  القضاء و القدر .. الإنسان مسير ام مخير.. فلسفة الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه

أي ما الذي يعطينا الإيمان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة».

وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة».

ونحن نقول إن من يشرك بالله فهو يرتكب الخيانة العقدية العظمى.

وقد أخذنا هذا المصطلح من القوانين الوضعية، وإن كانت القوانين الوضعية ليس غرضها أن تؤكد قضايا دينية.

لكن غفلتهم تجعلنا نلتقط منها أنها تؤكد القضايا الدينية أيضاً.

هب أن جماعة قاموا بحركة.

وبعد ذلك استغل واحد منهم الحركة في نفع خاص له، وواحد آخر استغل الحركة في أن تكون له لا للآخر، أي ينقلب عليه.

فالأول القائم على النظام يسميها خيانة عظمى، أما من لا يقاوم بغرض خلع الحاكم.

ولكنّه يظلم الناس فقد يعاقبه الحاكم على ما حدث منه وليس على الخيانة العظمى.

إذن ففي قانون البشر أيضاً خيانة عظمى، وفيه انحراف وهو الذي لا يتعرض للسيادة.

لكن أي حركة تتعرض للسيادة يكون فيها قطع رقاب، وكل أمر آخر إنما يؤخذ بدرجة من العقوبة تناسب ذنبه.

( ثماني آيات ) ، فالحق سبحانه وتعالى يوضح:

أصل القضية الإيمانية أن الله سبحانه وتعالى يريد منكم أن تعترفوا بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له.

وحين تعترف بأنه الإله الواحد الذي لا شريك له.

فأنت تدخل حصن الأمان، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:

(أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك منهما إلا دخل الجنة).

وأبو ذر عندما قال للنبي في محاورة بينهما حول هذه الآية، قال له:

(ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟

قال وإن زنى وإن سرق، قلت وإن زنى وإن سرق؟

بعدها قال وإن زنى وإن سرق (ثلاثا)) ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر.

لقد كان أبو ذر غيوراً على حدود الله، فهل ساعة قال رسول الله:

على رغم أنف أبي ذر؛ هل هذه أحزنت أبا ذر؟

لا لم تحزنه، ولذلك عندما كان يحكيها ويقولها:

من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن رغم أنف أبي ذر وهو مسرور، لماذا؟

لأنها فتحت باب رحمة الحق، لأنه إذا لم يكن هذا فما الفارق بين من اعتقدها وقالها وبين من لم يقلها؟ فلابد أن يكون لها تمييز.

وكل جريمة موجودة في الإسلام- والحق سبحانه قد جرمها- فهذا يعني أنها قد تحدث.

( ثماني آيات ) مثال ذلك.

يقول الحق تبارك وتعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]

وهذا يعني أنه من الجائز أن يسرق المؤمن، وكذلك قد يزني في غفلة من الغفلات.

على هذا في أسس الاستغفار يأتي البيان الواضح: من الصلاة للصلاة كفارة ما بينهما، الجمعة للجمعة كفارة، الحج كفارة، الصوم كفارة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:

«الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر».

أي أن ربنا قد جعل أبواباً متعددة للمغفرة وللرحمة، وهو سبحانه يقول:

( ثماني آيات ) {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}

وهذه المسألة ليست لصالحه إنما لصالحكم أنتم.

حتى لا تتعدد آلهة البشر في البشر ويرهق الإنسان ويشقى من كثرة الخضوع لكل م كان قويا عنه، فأعفاك الله من هذا وأوضح لك:

لا، اخضع لواحد فقط يكفك كل الخضوع لغيره، واعمل لوجه واحد يكفك كل الأوجه، وفي ذلك راحة للمؤمن.

إن الإيمان إذن يعلمنا العزة والكرامة، وبدلاً من أن تنحني لكل مخلوق اسجد للذي خلق الكون كله بصفات قدرته وكماله.

فلم تنشأ له صفة لم تكن موجودة هل أنتم زدتم له صفة؟ لا.

إنه بصفات الكمال أوجدكم وبصفات الكمال كان قيوماً عليكم.

فأنتم لم تضيفوا له شيئاً، فكونك تشهد أن لا إله إلا الله.
ما مصلحتها بالنسبة لله؟ إن مصلحتها تكون للعبد فحسب.

ولذلك قلنا:

إن الحق سبحانه وتعالى يريد من عباده أن يجتمعوا كل أسبوع مرة.

لأنك قد تصلي فرضاً فرضاً في مصنعك أو في مزرعتك أو في أي مكان، إنما يوم الجمعة لابد أن تجتمع مع غيرك، لماذا؟

لأنه من الجائز أنك تذل لله بينك وبينه، تخضع وتسجد وتبكي بينك وبين الله.

لكنه يريد هذه الحكاية أمام الناس، لترى كل من له سيادة وجاه يسجد ويخشع معك لله.

وفي الحج ترى كل من له جاه ورئاسة يؤدي المناسك مثلك.

فتقول بينك وبين نفسك أو تقول له: لقد استوينا في العبودية.

على هذا لا يرتفع أحد على أحد ولا يذل له بل كلنا عبيد الله ونخضع له وحده.

إذن فالمسألة في مصلحة العبد.

{إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}

، لأنه لو غفر أن يشرك به لتعدد الشركاء في الأرض.

وحين تعدد الشركاء في الأرض يكون لكل واحد إله.

فإذا صار لكل واحد إله تفسد المسألة، لكن الخضوع لإله واحد نأتمر جميعاً بأوامره يعزنا جميعا.

لذلك فلا سيادة لأحد ولا عبودية لأحد عند أحد، فقوله: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}.

هذا لمصلحتنا.

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ}

وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال أتى وحشيٌّ وهو قاتل سيدنا حمزة في غزوة أحد، أتى على النبي صلى الله عليه وسلم- فقال:

يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله فقال رسول الله:

«أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله.

قال: فإني أشركت بالله وقتلت النفس التي حرم الله وزنيت هل يقبل الله مني توبة؟

فصمت رسول الله حتى نزلت:

{والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 68-70]

 ( ثماني آيات ) فتلاها عليه فقال:

أرى شرطاً فلعليَّ لا أعمل صالحا، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت:

{إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]

فدعا به فتلا عليه قال:

فلعلِّي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت:

{قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} [الزمر: 53]

فقال نعم: الآن لا أرى شرطاً فأسلم».

إذن فالمسألة كلها تلطف من الخالق بخلقه، واعتبار عمليات الغفلة عمليات طارئة على البشر.

وما دام الحق يقنن تقنينات فمن الجائز أنها تحدث.

لكن إذا حدثت معصية من واحد ثم استغفر عنها، إياك أن تأتي بسيرتها عنده مرة أخرى وتذكره بها.

وافرض أن واحداً شهد زوراً، افرض أن واحداً ارتكب ذنباً، ثم استغفر الله منه وتاب.

إياك أن تقول له:

يا شاهد الزور؛ لأنه استغفر من يملك المغفرة، فلا تجعله مذنباً عندك؛ لأن الذي يملكها انتهت عنده المسألة.

لماذا؟

لكيلا يذلّ الناس بمعصية فعلت، بل العكس.

إنّ أصحاب المعاصي الذين أسرفوا على أنفسهم يكونون في نظر بعض الناس هينين محقرين.

ولذلك نقول:

إن الواحد منهم كلما لذعته التوبة وندم على ما فعل كُتبت له حسنة.

فعلى رغم أنه ذاق المعصية لكنه مع ذلك تاب عنها.

وهذا هو السبب في أن الله يبدل سيئاتهم حسنات.

فعندما نعلم أن ربنا يبدل سيئاتهم حسنات فليس لنا أن نحتقر المسرفين على أنفسهم.

بل علينا أن نفرح بأنهم تابوا، ولا نجعل لهم أثرا رجعيا في الزلة والمعصية.

{وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً} والافتراء هو الكذب المتعمد.

لأن هناك من يقول لك قضية على حسب اعتقاده، وتكون هذه القضية كاذبة، كأن يقول لك:

فلان زار فلاناً بالأمس.

هو قال ذلك حسب اعتقاده بأن قالوا له أو رأى أثر للزيارة.

على الرغم من أن مثل هذه الزيارة لم تحدث فيكون كذباً فقط.

أما الشرك فهو تعمد الكذب على الله وهذا يطلق عليه:

{افترى إِثْماً عَظِيماً}

لأنه مخالف لوجدانية الفطرة، كأن وجدانية الفطرة تقول:

لا تقل إلا ما تعرفه فعلاً وأنت متأكد بل عليك ألا تخالف فطرتك متعمدا وتجعل لله شريكا.

والحق سبحانه وتعالى عندما يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

إما أن تكون هذه الكلمة صادقة فننتهي، وإما ألا تكون صادقة- والعياذ بالله- أي أن هناك أحداً آخر معه.

وهذا الآخر سمع أن هناك واحداً يقول: لا إله إلا أنا.

أسكت أم لم يسمع؟

إن لم يكن قد سمع فيكون إلهاً غافلاً، وإن كان قد سمع فلماذا لم يعارض ويقول:

لا، لا إله إلا أنا، ويأتي بمعجزة أشد من معجزة الآخر ولم يحدث من ذلك شيء.

إذن فهذه لا تنفع وتلك لا تنفع، فـ:(لا إله إلا الله) حين يطلقها الله ويأتي بها رسول الله ويقول الله:

أنا وحدي في الكون ولا شريك لي، ولم ينازعه في ذلك أحد فالمسألة صادقة لله بالبداهة ولا جدال.

{وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً}

والافتراء كما يكون في الفعل وفي الكلام ويكون في الاعتقاد أيضاً.

(إثم عظيم)، وهذا يعني أن هناك إثما غير عظيم.

(الإثم العظيم) هو الذي يُخلّ قضية عقدية واحدة في الكون تشمل الوجود كله هي أنه لا إله إلا الله.

والسادسة هي قوله سبحانه:

{وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 110]

وسبحانه وتعالى حينما خلق الخلق جعلهم أهل أغيار.

لذلك لم يشأ أن يُخرج مذنباً بذنب عن دائرة قدرته ورحمته.

بل إنه سبحانه شرع التوبة للمذنب حماية للمجتمع من استشراء شره.

فلو خرج كل من ارتكب ذنباً من رحمة الله، فسوف يعاني المجتمع من شرور مثل هذا الإنسان.

ويصبح كل عمله نقمة مستطيرة الشر على المجتمع.

إذن فالتوبة من الله، مشروعية وقبولاً، إنما هي حماية للبشر من شراسة من يصنع أول ذنب.

وهكذا جاءت التوبة لتحمي الناس من شراسة أهل المعصية الذين بدأوا بمعصية واحدة.

إن الذين وقفوا في محاولة تبرئة (ابن أبيرق) انقسموا إلى قسمين:

قسم في باله أن يبرئ (ابن أبيرق)، وقسم في باله ألا يفضح مسلماً.

وكل من القسمين قد أذنب.

ولكن هل يخرجهم هذا الذنب من رحمة الله؟.

لا، فسبحانه يقول: {يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً} والحق يعفو عن تلك المسألة.

إن القسمين جميعا أصبحوا مطالبين بعمل طيب بعد أن أوضح لهم الرسول، وفهموا مراد الحق.

وسبحانه يبقيهم في الصف الإيماني، وقد حكم رسول الله على (ابن أبيرق) لصالح اليهودي.

وبعد ذلك ارتد (ابن أبيرق)، وذهب إلى مكة مصاحباً لِعادة الخيانة.

فنقب حائطا على رجل ليسرق متاعه فوقع الحائط عليه فمات.

والحق سبحانه يضع المعايير، فمن يرتكب ذنباً أو يظلم نفسه بخطيئة ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً.

ونلاحظ أن بعض السطحيين لا يفهمون جيداً قول الحق:

{وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً}.

فيتساءلون:

أليس الذي ارتكب العمل السيئ قد ظلم نفسه؟

ونقول: إن دقة القرآن توضح لنا المعنى؛ فمعنى عمل سوءًا أضرّ بهذا العمل آخرين، إنّه غير الذي ارتكب شيئاً يضرّ به نفسه فقط.

فالذي سرق أو قتل أو اعتدى على آخر قذفاً أو ضرباً أو إهانة.

مثل هذه الأعمال هي ارتكاب للسوء؛ فالسوء هو عمل يكرهه الناس، ويقال:

فلان رجل سوء، أي يلقى الناس بما يكرهون.

لكن الذي يشرب الخمر قد يكون في عزلة عن الناس لم يرتكب إساءة إلى أحد، لكنه ظلم نفسه.

لأن الإنسان المسلم مطلوب منه الولاية على نفسه أيضاً.

والمنهج يحمي المسلم حتى من نفسه، ويحمي النفس من صاحبها.

بدليل أننا نأخذ من يقتل غيره بالعقوبة، وكذلك يحرم الله من الجنة من قتل نفسه انتحاراً.

وهكذا نرى حماية المنهج للإنسان وكيف تحيطه من كل الجهات.

لأن الإنسان فرد من كون الله، والحق يطلب من كل فرد أن يحمي نفسه.

فإن صنع سوءا أي أضر بغيره، فهذا اسمه (سوء).

أما حين يصنع فعلاً يضر نفسه فهذا ظلم النفس:

{والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 135]

وهل فعل الفاحشة مخالف لظلم النفس؟.

إنه إساءة لغيره أيضا، لكن ظلم النفس هو الفعل الذي يسئ إلى النفس وحدها.

أو أن الإنسان يصنع سيئة ويمتع نفسه بها لحظة من اللحظات ولا يستحضر عقوبتها الشديدة في الآخرة.

وقد تجد إنساناً يرتكب المعصية ليحقق لغيره متعة.

مثال ذلك شاهد الزور الذي يعطي حق إنسان لإنسان آخر ولم يأخذ شيئاً لنفسه، بل باع دينه بدنيا غيره.

وينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«بادروا بالأعمال ستكون فتنة كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض الدنيا».

{وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً}

والله غفور ورحيم أزلاً ودائماً، والعبد التائب يرى مغفرة الله ورحمته.

والسابعة هي قوله تعالى:

{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40]

والظلم:

الأصل فيه محبة الانتفاع بجهد غيره، فعندما تظلم واحداً.

فهذا يعني أنك تأخذ حقه، وحقه ما جاء به بجهده وعرقه، وتأخذه أنت بدون جهد ولا عرق.

اقرأ أيضا  السيدة خديجة بنت خويلد .... أم المؤمنين .... و أولى زوجات سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم

ويتبع هذا أن يكون الظالم قوياً.

لكن ماذا عن الذي يظلم إنساناً لحساب إنسان آخر؟ إنه لم ينتفع بظلمه ولكن غيره هو الذي انتفع.

وهذا شرّ من الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال:

«بادروا بالأعمال ستكون فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا».

لأن ظلم إنساناً لنفع عبد آخر ولم يأخذ هو شيئاً لنفسه.

إذن فالظلم إما أن يكون الانتفاع بثمرة جهد غيرك من غير كد.

وإما أن تنفع شخصا بجهد غيره، والله سبحانه وتعالى إذا نظرنا إليه- وهو قوة القوى- إذا أراد أن يظلم- وحاشا لله أن يظلم- فماذا يكون شكل ظلمه؟

إن الظلم يتناسب مع قوة الظالم، إذن فقوة القوى عندما تظلم فظلمها لا يُطاق، ثم لماذا يظلم؟

وماذا يريد أن يأخذ وهو من وهب؟

إنه سبحانه مستغنٍ، ولن يأخذ من هذا ليعطي ذاك، فكلهم بالنسبة له سواء؛ لأنه سبحانه لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، كلهم متساوون، فلماذا يظلم؟

إن الظلم بالنسبة لله محال عقلياً ومحال منطقياً.

فلا يمكن لله أن يضيع عمل حسنة ولا أن يضاعف سيئة.

فهذه لا تتأتى، وتلك لا تتأتى، والله واهب كل النعم للناس جميعاً.

وما دام هو من وهب كل النعم، فسبحانه غير منتفع بآثاره في خلقه.

إن الحق سبحانه وتعالى ينفي عن نفسه الظلم في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]

فكلمة (ظلاّم) مثل قولنا:

فلان (أكّال) وفلان (نوّام) وهي تختلف عن قولنا: فلان نائم، يعني نام مرة، ولكن (نوام) فهذا يعني مداومته على النوم كثيراً.

أي أنه إما أن يكون مبالغاً في الحدث، وإما أن يكون مكرراً للحدث.

فالمبالغة- كما نعرف- تأتي مرة لأن الحدث واحد لكنه قوي.

ومرة يكون الحدث عادياً لكنه مكرر، هذه هي المبالغة.

فقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ} نفي للمبالغة، وهذا لا يقتضي نفي غير المبالغة.

ونقول: الله لو ظلم لكان ظلمه مناسبا قدرته فيكون كبيراً كثيراً.

ولو كان ظالما لشمل ظلمه وعَمّ الخلق جميعا فيكون كذلك كبيراً كثيراً ولكن الله سبحانه يقول:

{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}.

وسبحانه يحسب السيئة سيئة واحدة.

أما الحسنة فيضاعفها، {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (مثقال):

يعني ثقل ووزن، والثقل هو: مقدار جاذبية الأرض للشيء.

فعندما يكون وزن الشيء قليلاً وتُلقيه من أعلى، فهو ينزل ببطء.

أما الشيء الثقيل فعندما تلقيه من أعلى فهو ينزل بسرعة.

لأن قوة الجاذبية له تكون أقوى، والإنسان منا حين ينظر إلى كلمة (مثقال).

و يعبر عنها بأنها وزن، فمعيار الميزان هنا (الذرة).

وما (الذرة)؟

قال العلماء فيها:هي رأس النملة الصغيرة التي لا تكاد تُرى بالعين المجردة، أو النملة نفسها.

هذه مقولة، أو الذرة كما قال ابن عباس حين سُئل عنها:

أخذ شيئاً من تراب الأرض ثم نفخه، فلما نفخ تطاير التراب في الهواء.

فقال لهم:

كل واحدة من هذه اسمها (ذرة) وهو ما نسميه (الهباء).

ونحن الآن الموجودين في مكان واحد لا نرى شيئاً من الجو.

لكن انظر إلى حزمة ضوئية- أي ثقب تدخل منه أشعة الشمس- فساعة ترى ثقباً يُدخل أشعة الشمس ترى غباراً كثيراً يسبح.

والمهم أنك لا تراه جارياً إلا في شعاع الشمس فقط، فهو كان موجوداً ونستنشقه، فما الذي جعلني لا أراه؟.

لأنه بلغ من الصغر واللطف مبلغاً فوق طوق العين أن تراه.

فالذرة واحدة من هذا الغبار، واسمه (الهباء) وواحدة الهباء هي الذرة.

إن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا:

أن كل شيء موزون إلى أقل درجات الوزن وهو الذرة، وهي الهباء.

ونحن لا نراها إلا في نور محجوز، لأننا في النور القوي لا نرى تلك الذرات، بل نراها فقط في نور له مصدر واحد ونافذ.

والحق سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة.

هذا تمثيل فقط؛ لأن الذرة يمكن أن تكبر، فالذي يكبر يمكن أن يصغر.

قال الحق ذلك ولم يكن عند الإنسان المقياس الذي يُفتّت به الذرة.

وقد حدث أن استطاع الإنسان ذلك.

فبعد الحرب العالمية الأولى صنعت ألمانيا اسطوانات تحطيم الجوهر الفرد، أو الجزء الذي لا يتجزأ كما كان يصفه الفلاسفة قديماً.

ومعنى جزء لا يتجزأ أي لا يمكن أن يأتي أقل منه.

ولم يلتفتوا إلى أن أي شيء له مادة إن كان يقبل التكبير فهو أيضاً يقبل التصغير.

والمهم أن توجد عند الإنسان الآلة التي تدرك الصغر.

ومثال ذلك عندما صعدت الأقمار الصناعية وأخذوا من الجو صورة لمدينة نيويورك.

خرجت الصورة صغيرة لمدينة نيويورك.

بعد ذلك كبروا الصورة؛ فأخرجوا أرقام السيارات التي كانت تسير!.

كيف حدث هذا؟ لقد كانت الصورة الصغيرة تحتوي تفاصيل أكثر دقة لا تراها العين المجردة.

عندما يتم تكبيرها يتضح كل شيء حتى أرقام السيارات وضحت بعد أن كانت غير ظاهرة.

و إن كنت موجوداً في نيويورك في هذه الساعة أكنت تظهر بها؟ لا يمكن أن تظهر.

لماذا؟.

لأن صورتك صغرت إلى الحد والقدر الذي لا يمكنك أن تراها وهي بهذا الحجم وهكذا.

فالنور عندما يكون محزوماً، فالحزمة الضوئية التي تدخل إلى مكان ما، لها من القوة التي تظهر ذرة الهباء الذي لم تكن تراها.

إذن فنور من الله مخلوق ظهرت فيه الذرة، أيخفي على نور الخالق ذرة؟

لا يمكن أن تخفي عليه سبحانه ذرة.

لأن النور الذي خلقه أظهر الذرة والهباء الذي كان موجوداً ولا نراه، فلن يخفي على نور النور ذرة في الأرض.

وهكذا نعرف أن المسألة بالنسبة لله عملية قطعية.

وعندما اخترعوا اسطوانة تحطيم الجوهر الفرد كانت مثل عصارة القصب، ونحن نعرف أن عود القصب يوضع بين عمودين من الحديد.

والعمود الواحد اسمه (اسطوانة).

وعندما يضيقون الاسطوانتين ثم يمررون عود القصب بينهما، فلابد أن تكون المسافة بينهما ضيقة.

حتى إذا نفذ عود القصب يُعصر، إذن فكلما ضيقت بين الاسطوانتين يزداد العصر.

وما دامت الاسطوانتان تجري كل واحدة منهما على الأخرى فهنا فراغ ضئيل جداً.

وحاول العلماء الألمان تضييق الاسطوانتين تضييقاً يفتت لنا هذه الذرة، ونجحوا.

وأصبح هناك شيء آخر أقل من الذرة.

وظن السطحيون الذين يتربصون بالإسلام وبكتاب الله الدوائر، ويريدون أن يجدوا فيه منفذاً.

قالوا:

إن الله قال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}.

على أنها أقل شيء وظهر أن هناك أقل من مثقال ذرة؛ لأن الذرة تحطمت.

وقلنا لهؤلاء:

أنتم أخذتم آية ونسيتم آيات، فالقرآن قد جاء معجزة ليواجه مجتمعات شتى من لدن رسول الله إلى أن تقوم الساعة.

فلابد أن يكون فيه ما يشبع العقول من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة.

ولو أن عطاء القرآن صُب مرة واحدة في عصر الرسالة لجاءت القرون التالية وليس للقرآن عطاء.

فأراد ربنا أن يكون القرآن هو المعجزة والمنهج المتضمن للأحكام والكليات.

وهذه أمور مفهومة بالنسبة لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة.

لكن لا يزال هناك كونيات ونواميس للحق في الوجود لم تظهر بعد.

فسبحانه يعطي كل عصر على قدر اتساع فهمه.

وعندما نعرف أسرار قضية كونية لا يزيد علينا حكم.

فعندما نعرف قضية مثلاً كقضية الذرة وتفتيتها ووجود إشارات لها في القرآن الكريم لا يزيد ذلك علينا أي حكم.
بل ظلت الأحكام كما هي.

فالأحكام واضحة كل الوضوح؛ لأن من يفعلها يثاب، ومن لا يفعلها يعاقب.

والناس الذين ستقوم عليهم الساعة مثل الناس الذين عاصروا حضرة النبي عليه الصلاة والسلام.

لذلك لابد أن تكون الأحكام واحدة.

فمن ناحية أن القرآن كتاب أحكام فهذا أمر واضح وضوحاً لا زيادة فيه.

ولم يفهم المعاصر لرسول الله حكماً ثم جاء الإنسان في زماننا ليفهم حكماً آخر، بل كل الأحكام سواء.

والقرآن كمعجزة هو أيضاً معجزة للجميع.

ولابد أن تكون هناك معجزة لكل جيل.

ولكل عصر، ويأتي الإعجاز في الآيات الكونية التي لو لم نعرفها فلن يحدث شيء بالنسبة للأحكام.

مثال ذلك: لو لم نعرف أن الأرض تدور أكان انتفاعنا بالأرض يقل؟ لا.

فنحن ننتفع بالأرض سواء أعلمنا كرويتها أم لم نعلم.

لكن الحق سبحانه وتعالى يواجه العقول بما يمكن أن تطيقه.

فإذا ما ارتقت العقول وتنورت واستنارت بمقتضى طموحاتها العلمية في الكون.

فالقرآن إن لم يؤيدها فهو لا يعارضها.

وعندما فتتوا الذرة قال المشككون:

إن ربنا يضرب بالذرة المثل لأصغر شيء {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}.

لكن هناك ما هو أقل من الذرة.

ونرد عليهم: أنتم نظرتم إلى آية ونسيتم آيات.

أنتم لم تنتبهوا- كما قلنا- إلى أن من فتتوا الذرة إلى إلكترونات وأيونات وموجب وسالب حاولوا بعد ذلك أن يفتتوا ما فُتت.

والآية التي نحن بصددها الآن:

{إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}

أرضت العقول التي تعرف الذرة الأصلية هذه واحدة.

ولماذا لا نسمع قول الله:

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي السمآء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: 61]

إذن فهناك ذرة وهناك أصغر من الذرة، ولم تأخذوا في بالكم أن (أصغر) هذه أفعل تفضيل،.

ولا يوجد أصغر إلا إن وجد صغير، إذن فهناك ذرة.

وهناك صغير عن الذرة، وهناك أصغر من الصغير، فهناك إذن ثلاث مراحل.

فإن فتتوها فلنا رصيد في القرآن يقول بالصغر، فإن فتتتم المفتت، فلنا رصيد في القرآن بأصغر.

لأن كل أصغر لابد أن يسبقه صغير، وإن كنت ستفتت المفتت فما زال عندنا رصيد من القرآن يسبق عقولكم في الابتكار.

فإن قلت تفتيت جاز، وإن قلت تجميع جاز؛ لأنها أصغر وأكبر، تفتيت أو تجميع، والمعقول أنك تقول:

لا يغيب الأصغر والصغير، والذرة كذلك لا تغيب فكيف يعبر عن الأكبر بأنه لا يغيب مع أنه ظاهر وواضح؟.

ونقول لك:

إن المتكلم هو ربنا، فالشيء لا يدرك إما لأنه لطيف في غاية الدقة.

بحيث لا تتعلق به الباصرة فلا يُرى، وأيضاً لا يُدرك لأنه كبير بصورة أكبر من أن تحيط به الباصرة.

فحين ترى جبلاً كبيراً على بعد اثنين من الكيلو مترات أو ثلاثة فأنت لا تدركه.

لأنه أكبر من أن يحيط به إشعاع بصرك.

و لكن الأمر بالنسبة لله يختلف فلا يوجد صغير يَدِقُّ لا يراه، ولا كبير يكبر لا يراه، إذن فلابد أن تأتي

{وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك ولا أَكْبَرَ}.

وفي آية أخرى يقول سبحانه:

{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرحيم الغفور} [سبأ: 2]

وانظروا إلى دقة الحق في الدر على الإنكار للساعة وهي قضية كونية تنسحب على كل العصور.

فيقول سبحانه:

{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الغيب لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 3]

كان يكفي أن يقول:

إن الساعة آتية، لكنه أوضح: اعرفوا أن الساعة آتية، وكل ما فعلتموه معروف، ولماذا يقولون: لا تأتي الساعة؟

إن هذا لون من تكذيب النفس لأنهم لم يعملوا على مقتضى ما يتطلبه قيام الساعة.

فالذي لم يعمل لذلك يود لأن من مصلحته ذلك- أن تكون مسألة الساعة كذب.

لأنه قد عمل أشياء يخاف أن يحاسب عليها، فجاء سبحانه بالآية لكي تردّ على المقولة وعلى الدافع للمقولة.

وكل مقولة لها دافع.

لقد كان الدافع لمقولتهم هو إسرافهم على أنفسهم فلم يقدموا عملاً صالحاً.

فمن مصلحتهم الآمالية ألا تأتي الساعة، كي لا يعاقبوا.

وسبحانه يعلم أزلا ما فعلوا وردّ على المقولة وردّ على الدافع الذهني للمقولة، فأوضح سبحانه:

أنا عالم كل أمر ولن يغيب عني عمل من أعمالكم.

وقول الحق في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:

{وَإِن تَكُ حَسَنَةً}

يعني: وإن يكن الوزن لحسنة يضاعفها الله.

وعندما يحدثنا سبحانه عن الحسنة وأنها تُضاعف ثم لا يتكلم عن السيئة فهذا يدل على أن السيئة بمثلها.

والحق قد تكلم عن المضاعفة للحسنة في كثير من الآيات {والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ}.

وفي آية أخرى يقول الحق:

{مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261]

وبعد ذلك يقول: {والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} [البقرة: 261]

ففيه فرق بين نظام حساب الحسنات ونظام حساب السيئات.

فالحسنة تضاعف لعشر أمثالها لسبعمائة ضعف.

هذا هو نظام الحساب، وإرادة خالق هذا النظام تعطي كما تريد.

إذا كنا نحن- كبشر- عندما توظف واحداً نقول:

أنت تدخل السلم الوظيفي، وتبدأ السلم الوظيفي من أول درجاته ثم تترقي درجة بعد درجة، ثم يأتي رئيس الدولة ليعينك في درجة أعلى من ذلك بكثير، فما بالنا بحساب الرب الأعلى؟

إنه يعطي بعملية حسابية فيها زيادة فضل؛ ولذلك قال بعد هذه الآية:

{وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}

أي إنه سبحانه يعطي من عنده ذلك الأجر العظيم، وهذا اسمه (محض الفضل).

وكيف يسميه الله أجراً مع أنه زائد؟

لأن هذا الفضل جاء تابعا للأجر، فإذا لم يعمل الإنسان هذا العمل فإنه لا يستحق أجرا.

بالتالي فلا ينال فضلاً وحين يضرب الله الأمثال للناس فذلك لتقريب المعاني.

؛ لأن الله قاله والله صادق فيما يقول، فيعطي الحق سبحانه وتعالى مُثلاً إيناسية في الكون، حتى لا تستبعد أن الحسنة تذهب لهذه الأضعاف المضاعفة.

فيوضح لك:

هذه الأرض أمامك هات حبة واحدة وضعها في الأرض تخرج لك سبع سنابل وكل سنبلة فيها مائة حبة.

اقرأ أيضا  ابن سلول ،عبدالله بن أبي ابن سلول ، رأس المنافقين

فإذا كانت الأرض- وهي مخلوقة لله- أعطت سبعمائة ضعف، فكم يعطي من خلق الأرض؟ إنه يعطي بغير حساب.

إذن فكلمة (من لدنه) هذه تعطيك الباب الواسع الذي يتناسب مع الله.

فالأرض تعطيك على قدر جهدك، وعلى قدر العناصر الغذائية الموجودة فيها.

والذي عنده وبيده الخير وخلق كل الكون يوضح:

إذا كان خلق من خلقي يعطي حتى الكافر، سبعمائة ضعف فالذي خلق هذا يعطي للمؤمن أجراً للحسنة بلا حدود.

ولذلك فالإيناسات التمثيلية في الكون يتركها الله لتقرب للعقل المعنى البعيد الذي قد يقف فيه.

فالإنسان منا مادة: هي البدن وتحل فيه الروح.

وعندما تسحب الروح من البدن، ماذا يصير؟

يصير الجسد رِمة، ويتحلل لعوامله الأولى وتنتهي منه مظاهر الحياة.

إذن فالروح هي السبب في الحركة، وفي أن كل جهاز يقوم بعمله، وفي النمو.

وعندما تسحب الروح ينتهي الأمر، إن الروح هي التي تدير كل هذا الجسم.

والروح لا لون لها، ولا أحد يراها، ولا يشمها كائن، فكيف ندركها إذن؟ نقول:

إن الجوهر الذي يدخل في جسدك ويعطيه الحركة فيديره.

أنت لا تراه ولا تحسّه، وهو غيب بالنسبة لك.

فإذا حُدّثت أن ربك غيب فلا تتعجب، فروحك التي بين جنبيك لا تعرف كُنهها.

وعليك إذن أن تصدق عندما يقال لك: ربك ليس بمحدود بمكان وعنما يقول سبحانه:

{لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} [الأنعام: 103]

فكلنا نقول:

نعم هذا كلام صحيح؛ لأنه إذا كان هناك مخلوق لله وهو الروح لم تدركه الأبصار، أفتريد أن يُدرَك من خَلَقَ؟

لا يمكن وهو سبحانه من عظمته أنه لا يُدَرك.

وسبحانه يقول: {وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} ونقف عند كلمة (من لدنه).

ونعرف أن فيه فرقا بين الإتيان بالناموس- وهو النظام الموضوع- والعطاء المباشر، وعندما يقول الحق:

(من لدنه) فهذا يعني أن الوسائط تمتنع.

ونعلم قصة سيدنا موسى عندما ذهب ليقابل العبد الصالح قال تعالى في وصف العبد الصالح:

{وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا} [الكهف: 65]

وهذا يعني أن العبد الصالح قد تعلم ليس بوساطة أحد.
بل من الله مباشرة.

بدليل أن الذي جاء ليتعلم منه وتعلم منه ثم وقف معه في أمور جاءت على خلاف ما تجري به النواميس والعادات.

فكلمة (من لدنا) تعني تجاوز الحجب، والوسائط، والأنظمة.

والحق سبحانه يحترم أصل عملك ويسمي عطاءه لك (أجراً).

لأنه أعطى من لدنه بعدما أعطى له النصيب المقدر كأجر، وهذا الأجر موصوف بأنه عظيم؛ لأنه مناسب للمعطي.

والثامنة هي قوله سبحانه:

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً} [النساء: 147]

وسبحانه قد أوضح من قبل أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

واستثنى منهم من تاب وأصلح واعتصم بالله وأخلص.

ويتحدث هنا عن فكرة العذاب نفسها، ليجليها فيقول:

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ} وهذا استفهام، والاستفهام أصلاً سؤال من سائل يتطلب جواباً من مجيب.

وسبحانه وتعالى يريد أن يعرض قضية موثوقا بها فهو لا يأتي بها خبراً، فهو القادر على أن يقول:

أنا لا أفعل بعذابي لكم ولا أحقق لذاتي من ورائه شيئا، فلا استجلب به لي نفعا ولا أدفع به عني ضراً.

لكنه هنا لا يأتي بهذه القضية كخبر من عنده، بل يجعل المنافقين يقولونها.

مثال ذلك- ولله المثل الأعلى- يقول واحد لآخر: أنت أهنتني.

ومن الجائز أن يرد الآخر: أنا لم أهنك.

وأقسم لك أنني ما أهنتك.

وقد يضيف: ابغني شاهداً.

وهنا نجد مراحل المسألة تبدأ بالإبلاغ عن عدم الإهانة، ثم القسم بأن الإهانة لم تحدث.

، ومن بعد ذلك طلب شاهداً على أن الإهانة المزعومة قد حدثت.

وقد يقول الإنسان رداً على من يتهمه بالإهانة:

أنا أترك لك هذه المسألة، فماذا قلت لك حتى تعتبره إهانة؟

ومن يقول ذلك واثق أن من شعر بالإهانة لو أدار رأسه وفكره فلن يجد كلمة واحدة تحمل في طياتها شبهة الإهانة.

ولو كان الإنسان واثقا من أنه أهان الآخر، فهو يخاف أن يقيم الآخر دليلا على صحة اتهامه له.

ولكن حين يقول له: وماذا قلت لك حتى تعتبر ذلك إهانة؟.

فعليه أن يبحث ولن يجد.

وبذلك يكون الحكم قد صدر منه هو.

وإذا كان الله يقول:

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ}

فهذا خطاب لجماعة كانت ستتعذب.

وكانت فيهم محادة لله.

ورضي الله شهادتهم.

فكأن هذه لفتة على أن العاصي يستحق العذاب بنص الآية:

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ}، ومستعد لهذا العذاب لأنه محاد لله.

ولكن الله يقبل منه ومن أمثاله أن يشهدوا.

وهذا دليل على أن الإيمان الفطري في النفس البشرية.

فإذا ما حزبها واشتد عليها الأمر لم تجد إلا منطق الإيمان.

ويوضح الحق للمنافقين: ماذا أفعل أنا بعذابكم؟

فلن يجدوا سببا خاصا بالله ليعذبهم، فكأن الفطرة الطبيعية قد استيقظت فيهم؛ لأنهم سيديرون المسألة في نفوسهم.

وعلى مستوانا نحن البشر نرى أن الذي يدفع الإنسان ليعذب إنسانا آخر إنما يحدث ذلك ليشفي غيظ قلبه، أو ليثأر منه.

لأنه قد آلمه فيريد أن يرد هذا الإيلام.

أو ليمنع ضرره عنه.

والله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون في أي موقع من هذه المواقع.

فإذا أدار المنافقون هذه المسألة فطريا بدون إيمان فلن يكون جوابهم إلا الآتي:

لن يفعل الله بعذابنا شيئا، إن شكرنا وآمنا.

ونستخلص من ذلك أن الحق سبحانه وتعالى حين يريد عرض قضية يثبت فيها الحكم من الخصم نفسه، يلقيها على هيئة سؤال.

وكان من الممكن أن يجري هذه المسألة خبرا، إلا أن الخبر هو شهادة من الله لنفسه.

أما السؤال فستكون إجابته اقرارا من المقابل.

وهذا يعمي أنهم كانوا عاصين ومخالفين.

وكأنه سبحانه قد ائتمنهم على هذا الجواب؛ لأن الجواب أمر فطري لا مندوحة عنه.

وحين يدير الكافر رأسه ليظن بالله ما لا يليق، فلن يجد مثل هذا الظن أبدا.

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً}.

وإن لم يشكروا ولم يؤمنوا فما الذي يناله الحق من عذابهم؟

ونعلم أن عظمة الحق أنه لا يوجد شي من طاعة يعود إلى الله بنفع، ولا يوجد شيء من معصية يعود إلى الله بالضرر.

ولكنه يعتبر النفع والضرر عائدين على خلق الله لا على الله- سبحانه-.

وسبحانه يريدنا طائعين حتى نحقق السلامة في المجتمع، سلامة البشر بعضهم من بعض.

إذن فالمسألة التي يريدها الحق، لا يريدها لنفسه.

فهو قبل أن يخلق الخلق موجود وبكل صفات الكمال له، وبصفات الكمال أوجد الخلق.

وإيجاد الخلق لن يزيد معه شيئا، ولذلك قال في الحديث القدسي:

(يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا

_ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد.

فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئا إلا كما يُنقص المخيط إذا أدخل البحر.)

إذن فالطاعة بالنسبة لله والمعصية بالنسبة لله، إنما لشيء يعود على خلق الله.

ولننظر إلى الرحمة من الحق سبحانه وتعالى الذي خلق خلقاً ثم حمى الخلق من الخلق.

واعتبر سبحانه أن من يحسن معاملة المخلوق مثله فهو طائع لله، ويحبه الله لأنه أحسن إلى صنعة الله.

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}

فإن تشكروا وتؤمنوا فلن يفعل الله بعذابكم شيئا.

أي فقد أبعدتم أنفسكم عن استحقاق العذاب.

وسبحانه يريد أن يعدل مزاج المجتمع وتفاعلات أفراده مع بعضهم بعضاً.

، وذلك حتى يكون المجتمع ذا بقاء ونماء وتعايش.
ونعلم أن لكل إنسان سمة وموهبة، وهذه الموهبة يريدها المجتمع.
فمن الجائز أن يكون لإنسان ما أرض ويريد أن يقيم عليها بناء.

وصاحب الأرض ليس مفترضا فيه أن يدرس الهندسة أولاً حتى يصمم البناء ورسومه.

، وليس مفترضا فيه أن يتقن حرفة البناء ليبني البيت.

وكذلك ليس مفروضا فيه أن يتعلم حرفة الطلاء والكهرباء وغيرهما.

وكذلك ليس من المفروض فيمن يريد ارتداء جلباب أن يتعلم جز الصوف من الغنم أو غزل القطن وكيف ينسجه وكيف يقوم بتفصيله وحياكته من بعد ذلك، لا، لابد أن يكون لكل إنسان عمل ما ينفع الناس.

إذن فلكل إنسان عمل ينفع الناس به حتى يتحقق الاستطراق النفعي.

، ولأن كلاًّ منا يحتاج إلى الآخر فلابد من إطار التعايش السلمي في الحياة.

لا أن يكون العراك هو أساس كل شيء؛ لأن العراك يضعف القوة ويذهب بها سدى.

وسبحانه يريد كل قوى المجتمع متساندة لا متعاندة، ولذلك قال:

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}.

أما إن لم تشكروا وتؤمنوا، فعذابكم تأديب لكم، لا يعود على الله بشيء.

ولماذا وضع الحق الشكر مع الإيمان؟

لنعرف أولاً ما الشكر؟

الشكر: هو إسداء ثناء إلى المنعم ممن نالته نعمتهُ، فتوجيه الشكر يعني أن تقول لمن أسدى لك معروفا:

(كثر خيرك)، وما الإيمان؟

إنه اليقين بأن الله واحد.
لكن ما الذي يسبق الآخر.

الشكر أو الإيمان؟

إن الإيمان بالذات جاء بعد الانتفاع بالنعمة.

فعندما جاء الإنسان إلى الكون وجد الكون منظما، ولم يقل له أحد أي شيء عن أي دين أو خالق.

ألا تهفو نفس هذا الإنسان إلى الاستشراف إلى معرفة من صنع له هذا الكون؟

وعندما يأتي رسول، فالرسول يقول للإنسان:

أنت تبحث عن القوة التي صنعت لك كل هذا الكون الذي يحيط بك، إن اسمها الله، ومطلوبها أن تسير على هذا المنهج.

هنا يكون الإيمان قد وقع موقعه من النعمة.

فالشكر يكون أولاً، وبعد ذلك يوجد الإيمان، فالشكر عرفان إجمالي، والإيمان عرفان تفصيلي.

والشكر متعلق بالنعمة.

والإيمان متعلق بالذات التي وهبت النعمة.

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً}

والحق سبحانه يوضح لنا: أنا الإله واهب النعمة أشكركم.

كيف يكون ذلك؟

لنضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- أنت اشتريت لابنك بعضا من اللعب.

ولم تفعل ذلك إلا بعد ان استوفيت ضرورات الحياة، فلا أحد يأتي باللعب لابنه وهو لم يأت له بطعام أو ملابس.

إذن فأنت تأتي لابنك باللعب بعد الطعام والملبس ليملأ وقت فراغه.

وهذا يعني أن الضرورات قد اكتملت.
وحين تقول لابنك:

إن هذه اللعبة للعب فقط، ستأخذها ساعة تحب أن تلعب، وتضعها في مكانها وقت أن تذاكر.

فكل شيء هنا في هذا المنزل له مهمة يجب أن يؤديها.

وهذا يعني إنك كوالد تريد أن تؤدب ابنك حتى يلعب بلعبته وقت اللعب ولا يلعب بأي شيء غيرها في المنزل.

لأنه لو لعب بكل شيء في المنزل فلابد من أن يكسر شيئا.

، فلا مجال للعب في التليفزيون أو في الساعة أو الثلاجة أو الغسالة حتى لا تتعطل تلك الأجهزة.

وأنت كوالد تريد أن تفرق بين شيء يلعب به وشيء يُجد به.

وأشياء الجد لا توجد إلا عند طلبها فقط.

فالغسَّالة لا تستخدم إلا ساعة غسل الملابس، والساعة لا نستخدمها إلا لحظة أن نرغب في معرفة الوقت.

والثلاجة لا تفتحها إلا ساعة تريد أن تستخرج شيئا تأكله أو تشربه.

، والوالد يأتي للابن بقليل اللعب ليضع له حدا بين الأشياء التي يمكنه أن يلعب بعا وبين الأشياء التي لا يصح أن يلعب بها.

، فأشياء المنزل يجب ألا يقرب منها الابن إلا وقت استعمالها.

لكن بالنسبة للعبة فالابن يلعب بها عندما يحين وقت اللعب، لكن عليه أن يحافظ عليها.

وعندما يرقب الوالد ابنه، ويجده منفذا للتعليمات، ويحافظ على حاجات المنزل، ويلعب بلعبه محافظا عليها.

وإن لم يُعَلّم الأب ابنه ذلك فقد يفسد الابن لعبه.

وحين يقوم الابن بتنفيذ تعليمات أبيه فالأب يرضى عنه ويسعد به.
وعندما تخرج لعبة جديدة في السوق فالأب الراضي عن ابنه يشتري له هذه اللعبة الجديدة؛ لأن الولد صار مأمونا.

لأنه يعرف قواعد اللعب مع المحافظة على أداة اللعب.

ويعرف أيضا كيف يحافظ على حاجات المنزل.

ويزداد رضاء الأب عن تصرفات الابن.

وينشأ عن هذا الرضاء أن يشتري الأب لعبا جديدة.

فإذا كان ذلك هو ما يحدث في العلاقة ما بين الأب والابن، وهما مخلوقان لله.

، فما بالنا بالخالق الأعلى سبحانه وتعالى الذي أوجد كل المخلوقات؟

إن الإنسان حين يضع كل المسائل في ضوء منهج الله.

فالله شاكر وعليم.

لأن الله يرضى عن العبد الذي يسير على منهجه، وعندما يرضى الرب عن العبد فهو يعطي له زيادة.

فالله شاكر بمعنى:

أن البشر إن أحسنوا استقبال النعمة بوضع كل نعمة في مجالها فلا تتعدى نعمة جادة، على نعمة هازلة ولا نعمة هازلة على نعمة جادة.

فالله يرضى عن العباد.

ومعنى رضاء الله أن يعطي البشر أشياء ليست من الضرورات فقط ولكن ما فوق ذلك.

فسبحانه يعطي الضرورات للكل حتى الكافر.

ويعطي سبحانه ما فوق الضرورات وهي أشياء تسعد البشر.

إذن فمعنى أن الله شاكر.

أي أن سبحانه وتعالى راض.

ويثيب نتيجة لذلك ويعطي الإنسان من جنس الأشياء ويسمو عطاؤه.

، مصداقا لقوله الحق: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]

فالشكر هنا موجه من العبد للرب، والزيادة من الرب إلى العبد.

وإياك أيها الإنسان أن تصنع الأشياء شكليا، مثل الطفل الذي يصون لعبته لحظة أن يرى الأب.

ومن فور أن يختفي الأب أمام عيني الطفل فهو يفسد اللعبة.

والله ليس كالأب أبداً، فالأب قدراته محدودة.

ولكن الله هو الخالق الأعلى الذي لا تخفى عليه خافية أبداً وسبحانه شاكر، وهو أيضاً عليم.

،،،،، و هذه كانت ثماني آيات ذكرها سيدنا ابن عباس خير مما طلعت عليه شمس و غربت.

و تلك كانت خواطر الامام الشعراوي عن تلك ال ثماني آيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *