صناعة الترفيه.. و كيف تؤثر على العالم



 

عادة يتم تعريف الترفيه بأنه أى نشاط يستحوذ على انتباه و اهتمام المشاهد، و يجعلك تشعر بالمتعة و السعادة , تعريف عام و مطاط , و هذا بسبب تزايد أنشطة الترفيه المختلفة منذ بدأ الخليقة حتى الآن .

و من المفترض أن الهدف السامى للترفيه هو تحويل وقت الفراغ إلى وقت ممتع , بدل من أن يكون مجرد فراغ بلا هدف , و ينتقسم الترفيه إلى قسمين , ترفيه فعال , و هو كممارسة الرياضة أو ممارسة ألعاب معينه عقلية أو جسمانية , و ترفيه سلبى و هو مثل مشاهدة التليفزيون أو مشاهدة مسرحية أو سماع الموسيقى .

و قد بدأت رغبه الإنسان فى الترفيه عن نفسه مع نشأه الخلق , فقد تم اكتشاف بعض الألعاب البدائيه و الرسومات و أدوات النفخ البدائيه فى كهوف الإنسان البدائى , ثم تطور الأمر مع نشأه الحضارات , حيث تستطيع أن ترى أن الحضارات القديمه كالفرعونيه و الأشوريه إهتمت كثيراً بالفن خصوصاً النحت و الرسم على الجدران , و كذلك اهتمت بالموسيقى , و تنظيم المسابقات الرياضية و الكرنفالات و الاحتفالات.



و مع تقدم الزمن و ظهور الإمبراطوريات بدا أن الترفيه و التسلية أمر حكر على الطبقات العليا , فأصبح لك ملك مهرج خاص و مغنى و شاعر هدفهم فقط هو الترفيه عن الحكام أو أصدقائهم من الطبقه البراجوزيه , بينما أصبح ترفيه الطبقة العامة العاملة هو ترفيه تقليدى مثل الأغانى الشعبية و المسرحيات التى تقدمها فرق متجولة , أو الألعاب البسيطة.

و ظل الأمر كما هو علي لفترات طويله , حتى وصولنا للعصر الحالى.

وضع مقدمى الترفيه على مر العصور

فى العصور القديمه و البدائيه , كانت الترفيه إيجابى فعال يعتمد على الشخص نفسه فى الأساس , و لكن مع التقدم أصبح كل صاحب نفوذ يريد من يرفه عنه , و لذلك ظهرت فكره مهرج البلاط و مغنى البلاط و و ما إلى ذلك , و كانوا يتمتعون بوضع جيد , و لكنه ثانوى , أى إنهم لم يعرف عنهم الثراء الفاحش فكانوا يعتمدون فى الأساس على عطايا الحاكم و النبلاء , و لم يستطيعوا أن يتدخلوا بشكل فعال فى اتخاذ القرار , و كان وضع قاده الجيوش و الأطباء أفضل منهم كثيراً.

اقرأ أيضا  رسوم دخول منتزه السد الحجري بالرياض، والأنشطة الحماسية التى يمكنك التمتع بها للعوائل

و مع مرور الوقت , و زياده عدد الفرق التى تقدم الترفيه , أصبح هناك مقدمى الترفيه المتجولين كفرق السيرك و المسرح , الذين يريدون تحقيق بعض المال , و لا يملكون القدرة على دخول بلاط ملك أو نبيل , و فهم لا يستطيعون بالطبع توفير المال اللازم لتعلم علم , و فى نفس الوقت لا يملكون الموهبه أو العلاقات التى تمكنهم من دخول بلاط أحد الملوك , و كانت ظروفهم عاده أسوء بكثير من أقرانهم فى حاشيه الملك , و كان لا ينظر لهم لا باحترام و لا تقدير من عامه الشعب .

و فى الوقت نفسه اهتم الملوك خاصه العرب فى فتره النهضة , و الأوروبين فيما تلى العصور الوسطى , بجذب العلماء و الإنفاق على أبحاثهم  , و كان كل ملك يتباهى بإنجازات علمائه , و يهدى الملوك الأخريين أحياناً بعض الإختراعات من باب التفاخر .

ثم ظهر عصر الراديو و التلفزيون , و أصبحت الترفيه صناعه , و وصل الترفيه للجميع , عن طريق الراديو و السينما ثم التلفزيون , و فى هذه الفتره كان الأمر لا يتعلق بالمال , فمعظم الفنانين و خصوصاً العرب منهم عملوا مجاناً أو حتى قدموا من أموالهم الخاصه , و كان الوظائف الترفيهيه وظيفه ثانويه , فلم يكن هناك لاعب كره محترف بل كل رياضى له وظيفه أخرى إلى جانب هواياته , و قصص الفنانين و الموسيقين العرب و الأجانب الذين قدموا الكثير للفن ثم ماتوا فقراء أو من المرض دون أن يجدوا من يعالجهم متعدده ,حتى على الصعيد الإجتماعى , كان ينظر إلى إليهم خاصه فى المجتمع العربى نظره دونيه على الرغم من شهرتهم , حيث كانت العائلات الأرستقراطيه ترفض زواج بناتها من ” مشخصاتى ” كما كان يطلق على الفنانين للتقليل منهم فى هذه الفتره .

ثم و بانتهاء الحرب العالميه الثانيه , تغير الوضح بشكل كبير , فدخل التليفزيون كل بيت , و ظهرت أنديه المحترفين و البطولات الكبرى , و أصبحت صناعه الترفيه هى الصناعه المسيطره تقريباً على العالم , و بدأت تظهر مكاسبه الخرافيه  .

اقرأ أيضا  الرقص الشرقي Belly Dance .. الرقص وهوية الشعوب.

فالعالم لم يعد بحاجة لحروب أخرى , العالم أصبح بحاجة للترفيه 

و بإنتشار التعليم حتى فى الدول الناميه , و خصوصاً التعليم الجامعى , أصبح هناك آلاف الأطباء و المهندسين و الصيادلة و المحاسبين يتخرجون كل عام , و مع تشبع سوق العمل , و ظروف العمل الصعبه لهم و المنافسة القوية , أصبح حلم المعظم هو العمل فى صناعة الترفيه , و الكسب السهل المريح , بدون سنوات عمل و خبره و مقابل مادى زهيد مقارنه بالعاملين فى صناعه الترفيه.

حتى الدول الناميه و الفقيره , أصبحت لصناعة الترفيه فيها موقعها , حتى أكثر من الأولويات التى يجب أن يتم الإستثمار فيها بالنسبه للدول الناميه .

و للأسف فى الدول النامية مثل مصر , لا يوجد اهتمام بمثل هذا الإحصائيات و لكن بالنظر لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية فإن إجمالى المبلغ الذى تم استثماره فى صناعة الترفيه فى عام 2014 بلغ تريليون و 400 مليار دولار , فى المقابل فإنه فى الفتره نفسها فإن مجمل ما تم صرفه على البحث العلمى الطبى سواء الخاص الهادف للربح أو المؤسسى التابع للحكومه الأمريكيه كان 120 مليار دولار فقط , و مقدار ما تم صرفه على البحث العلمى الطبى فى العالم كله كان 268.4 مليار دولار و هو أقل من ربع ما تم صرفه فى صناعه الترفيه فى الولايات المتحده فقط .

أرقام مذهله , فالواقع الإستثمارى المفروض على العالم , يجعلك مجبراً على الإستثمار على المنتج صاحب الربح العالى و السريع و السهل .

التقدير الإعلامى لعلماء حصلوا على نوبل مثلاً , اقل بكثير , إن أفترضنا وجوده , و هو أمر قد يكون مفهوم حيث أن حياه و اشكال العلماء غير جذابه .

و لكن حتى الإهتمام المادى فإن الحاصل على جائزه نوبل , الجائزه الأبرز و الأهم فى حياه اى عالم , يحصل على ميدالية ذهبية و مبلغ مليون دولار فقط . , فى حين أن راتب لاعب مثل نيمار لاعب باريس سان جيرمان 500 ألف جنيه إسترلينى أسبوعياً , علما بأن الجنيه الإسترلينى يساوى حوالى 1.4 دولار , أى ما يساوى 26 مليون جنيه إسترلينى سنوياً , علما بأن صاحب الراتب الأغلى فى التاريخ كان الأرجنتينى كارلوس تيفيز حيث حصل على راتب سنوى 34 مليون باوند من ناديه الصينى ” شنجهاى ” .

اقرأ أيضا  العين السخنة و السياحة الترفيهية طوال العام و أهمها منتجع بورتو السخنة

الأثر السلبى لصناعة الترفيه

عدم التقدير الحالى , يجعل هناك جيل جديد من الشباب يرى أن النجاح فى الشهرة و الحصول على الأموال السهلة و السريعة , و لهم كل الحق فى ذلك , الأمر أكثر فى الدول النامية حيث عدم التقدير أكبر و الفارق أكبر .

ففى مصر مثلاً , و وفقاً لإحصائيات شبه رسميه , فإن ثلث المتخرجين من كليه الطب البشرى كل عام يبحثون عن طريقه أخرى لكسب العيش و يتركون الطب.

حتى فى دول العالم الأول فإن أمور مثل جودة الحياة و عدد ساعات العمل , جعل هناك مستشفيات مهدده بإغلاق أقسام الطوارىء بسبب قلة عدد الأطباء , و جعلهم يغيرون نظامهم الصارم جداً فى عمل الأجانب لديهم , حيث أصبحت انجلترا مرحبه أكثر بالأجانب و أصبح الحصول على فرصه للعمل هناك أسهل من الوضع عليهم سابقاً .

المشكله الأكبر أن العمل بصناعة الترفيه لم يعد بالصعوبه الموجوده عليه سابقاً , فلم يعد يحتاج لاختبارات أو معارف , فيستطيع أى شخص الآن و بحساب شخصى على أى من مواقع التواصل الإجتماعى أن يتحول إلى موديل أو إنفلونسر كما يحب البعض أن يلقب نفسه , و يصل إلى عدد كبير من المتابعيين و يغير حياته كلياً .

و أصبح هذا هدف المعظم , بلا موهبة حقيقية فى أى شىء , بل الإنتشار و الشهرة بأى شكل حتى و إن كان سخيفاً لزجاً , المهم هو الإنتشار , و الإنتشار فقط .

فهل نصل قريباً لعالم لديه عجز فى كل المهن النافعة , فالإحباط الذى تستطيع أن تشم رائحته وسط جميع أوساط المهن النافعة يؤكد لك أن الهجرة من هذه المهن سيزداد فى الفترة القادمة.



فهل سنرى عالم لديه عجز فى الأطباء و الصيادلة و المهندسين و المحاسبيين و غيرها من المهن التى تحتاج لتدريب و عمل طويل ؟ و أصبح مقابلها غير مجزى على كل المستويات.

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *