‏كرة القدم: شكراً برشلونة على ما قدمته لي



يعد نادي برشلونة من أكبر وأعرق الأندية العالمية، رغم مروره بظروف صعبة ومعقدة ومحاربة شديدة، وكان ينهض دوماً بعد كل سقوط، ثم لم يكتفي بالنهوض فقط !!
ولم يكتفي أيضاً بكونه نادي المبادئ والقيم، وبكونه أكثر من مجرد نادي حيث جمع بين الرياضة والسياسة والإعانة الإجتماعية والإهتمام بتصدير الثقافة وتقدمهم في هذا الجانب، وتطورهم وسبقهم عن غيرهم جعلهم مدرسة ثقافية عُظمى رياضياً، يصدرون كرة القدم، العلم والذوق والحس والجمال والنظريات والاكتشافات الناجحة والفلسفة والهوية حتى أعتقد أن كرة القدم لو نطقت ستردد شكراً برشلونة.

برشلونة مهد الرياضة وأساتذة العالم

برشلونة متقدم علمياً وعملياً في كرة القدم على ريال مدريد وباقي الأندية، وهذا يدفعنا لنتأمل قصة العبقري رويث .

يقول لاوريانو رويث: بعض الناس في كرة القدم ما زالوا يعتقدون أن لاعبوا كرة القدم لابد أن يكون لهم جثة ضخمة وأن يكونوا أقوياء، ولكني أؤمن أن لاعب كرة القدم الجيد لابد أن يكون لديه الموهبة !!
واللاعبون صغار الحجم يمتلكون الجودة أكثر من اللاعبين كبار الحجم، في المباراة اللاعبون سيقومون بالعديد من الإنطلاقات القصيرة ل 6 أو 8 أمتار، وعليهم أن ينطلقوا ويتوقفوا ويستديروا بسرعة، اللاعبون صغار الحجم لديهم مركز جاذبية أقل، وهذا يعطيهم أفضلية كبيرة.



وأضاف: قبل عدة سنوات شاهدت ديفيد سيلفا يلعب وكان فتاً صغيراً، ولقد تلقيت مكالمة من رامون مارتينيز “مدير الكرة في ريال مدريد” وسألني عن رأيي به لأنهم أرادوا التوقيع معه، قلت له: إنه مدهش مدهش، قال لي: حسناً سنرى ما سيحدث، بعدها بعدة أسابيع شاهدت في الصحف أن الريال لم يتعاقد معه، فقمت بالإتصال برامون وسألته لماذا لم تتعاقدوا معه فلديه موهبة رائعة، قال لي: انه لاعب صغير الحجم، إنه قصير جداً على أن يلعب في الفريق الأول، فسألته: لماذا لا يكون مناسب، ولم يعطيني إجابة، ككثير ممن هم مثله، ولكني أؤمن أن اللاعبين الأقل حجماً وأكثر موهبة هم الأنجح في كرة القدم .

اقرأ أيضا  بيب غوارديولا و الربط الواقعي لما وراء الستار داخل برشلونة “نظرة تاريخية”

لنلاحظ أن مسؤول من مدريد يستشير مدرب في أكاديمية برشلونة “الغريم التقليدي” عن لاعب يفكرون في شراءه، لمعرفته وإيمانه بقوة الفكر والثقافة الرياضية في برشلونة، واتضح ان نظرته كانت ثاقبة كما نرى سيلفا الآن، ثم تعلَّم الريال وغيره الدرس وأصبحنا نشاهد لاعبين من هذه النوعية بكثرة في أغلب الأندية بخلاف السابق حيث لم يكونوا يؤمنوا بذلك كله .

برشلونة و الروندو و شكراً برشلونة

لاوريانو رويث مخترع الروندو .. وهو مدرب في أكاديمية برشلونة 1972-1978 .

يقول لاوريانو رويث:
في البرسا لاحظت أن لاعبيَّ لم يعرفوا كيف يتخلصوا من الخصم الذي يراقبهم، ولهذا اخترعت الروندو .
واتبع قائلا: الروندو هو تمرير يحتوي على كل شيء في كرة القدم بإستثناء التسديد .
يتواجد لاعبان في الوسط، ولاعب معه الكرة، وأمامه زميلين يتيحان له خيار التمريرة القصيرة، وهناك زميل ثالث يتيح لحامل الكرة خيار التمريرة البينية .
ويقول أيضاً: في الستينيات خطرت لدي فكرة أن أوجد تمرين الروندو، حيث أن كل شيء في المباراة يتواجد في تمرين الروندو، ودائماً ما كنت أقول: “إذا ما كان هناك طفل يلعب هذا التمرين بشكل جيد، فهو لديه ما يلزم ليكون لاعباً محترفا”ً .

ويقول بيب غوارديولا عن روندو برشلونة:

” ماتعلمته هنا هو أن كل شيء يبدأ بالكرة وينتهي بالكرة. أحيانا ننسى أنها لعبة مكونة من 11 لاعب ضد 11 لاعب وبكرة واحدة. نحاول أن نبقي على هذي الكرة، نحاول أن نلعب بهذي الكرة; نحاول أن نعمل كل شيء بالكرة. هذا ماتعلمناه عندما كنا صغارا في هذا الفريق.”

ويقول تشافي هيرنانديز عن الروندو:
لا يزال الناس يعتقدون أنه مجرد شيء نفعله من أجل المتعة! لا! انه تمرين استثنائي.
يمكنك استخدام كل من القدمين، يمكنك تمرير في الداخل، يمكنك جذب خصمك ثم عندما يكون قريبا منك، بام !، يمكنك تمريرها إلى الجانب الآخر .. لا نهاية لها، تمريرة الروندو 9 ضد 3 مثلا، 2 يضغطون والثالث يغطي، عليك التمرير بشكل سريع ومع لمسة واحدة، بالتالي تفكر كثيرا وتبحث بإرهاق عن اللاعب الحر.
في البارسا نفهم كرة القدم، على أنها لعبة زمكان (زمان – مكان).. من يتحكم في هذا الآن؟ بوسكيتس وميسي وإنييستا، إنهم أساتذة في هذا، دائمًا يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا، وما إذا كانوا محاصرين أم لا.

اقرأ أيضا  ريال مدريد هو الاستثناء الوحيد من حيث عدد مرات الفوز باللقب في الدوريات الخمس الكبري

واتبع قائلاً: “روندو، روندو، روندو، كل يوم. هذا أفضل تدريب” .
وبهذا نعرف أهمية ذلك الروندو الذي غير مسار وأساليب تدريبات كرة القدم، وكان ذا ركيزة أساسية في كرة القدم الحديثة، وتأثير بالغ على اللاعبين بناءاً على جودة التدريب، الذي لا يخلوا نادٍ منه في هذا الزمن على الإطلاق، وهو من صنيعة برشلونية خالصة .

برشلونة مدرسة في اختيار المدربين

كما لا يخفى على الجميع صعوبة إختيار مدرب مغمور وغير مضمون في نادي كبير والمجازفة بإختياره، ولكن هذا الأمر يعتبر نقطة قوة وتحدي عظيم في برشلونه، حيث أظهروا مدربين لا تجرؤ الأندية الكبيرة على إعتمادهم مثل ريكارد وبيب وانريكي وفالفيردي، وسرعان ما برهنوا على نجاحهم وتأثيرهم على مسار كرة القدم لاسيما إن تعلق الأمر بـبيب غوارديولا الذي بدأ مشواره ببرشلونة كمدرب مغمور الى أن وصل للكمال الكروي ثم نقل سحره وأفكاره ومعتقداته الرياضية في جميع الدوريات الأوروبية والعالمية، ثم بدأت بعض الأندية الإعتماد على هذه الطريقة بعد تصدير تلك الفكرة الناجحة للعالم كما يفعل مدريد وميلان وانتر ومانشستر يونايتد وبروسيا، وكذا الحال أصبح الأمر منتشراً في الأندية المتوسطة والصغيرة بشكل كبير، ولكنها في غير برشلونه ليست بتلك النجاح “نسبياً” حيث اختلاف الخبرة والتخصص ودقة الإختيار بين برشلونه والأندية الأخرى .
ليكون بيب من أهم الأسماء المرشحة دائماً لكل الأندية، وكذلك الحال مع لوتشو وغير مستبعد أن يستمر الحال أيضاً مع فالفيردي.

تصدير مواهب لاماسيا وتأثيرهم على تاريخ كرة القدم

إن أفضل مدرسة رياضية في عالم كرة القدم هي مدرسة برشلونه التي أثرت بشكل كبير على نتائج وتاريخ اللعبة، سواء من حيث تصدير المواهب لأندية أخرى أو من ناحية تحقيق الانجازات بنجوم عمالقة من ذات المدرسة الساحرة لاماسيا، ومن أهم تلك الاسماء في الساحة العالمية:
بيبي رينا وفالديس وماسيب ومونتويا وفيرير والبا وسيرجي بيرخوان وناييم ومايكل ارتيتا وفيرناندو نافارو ودييغو كابيل وكروساس وجيوفاني وجوناثان وفرانك سونغو وراؤول تامودو وموراتيا وبارترا وبيب غوارديولا وروبيرتو وموتا و لويس ميلا وبيدرازا وفابريغاس وميسي وتياغو الكنتارا وايسكو وجابريل وروجير وأوسكار ورافينها وجيرارد واندريس وتشافي هيرنانديز ودي لا بينا وكيلاديس وبوسكيتس وآمور وكالديري وكرستيان تيو وبيكيه وساندرو وروخو وبويان وباكو كلاس وبويول وبيدرو وغيرهم .

اقرأ أيضا  إيطاليا..الحضارة الرومانية العريقة..احدى الدول الصناعية الكبرى

برشلونة مدرسة تدريبية جبارة

فللثقافة الرياضية في برشلونه أثر كبير في إخراج مدربين على مستوى عالي وتصدير أبناء برشلونة ولاعبيه الذين أصبحوا مدربين بل وحتى أفكار وطريقة برشلونه لأوروبا والعالم اجمع، وأمثال هؤلاء:
يوهان كرويف، أوزيبيو، وكومان، وبيب، وفالفيردي، وانريكي، ولاودروب، وفان بوميل، وانزوي، وجوليان لوبيتيجوي، وخوان أنطونيو بيتزي، ولوران بلان، وألبرت فيرير، وسيرجي بارخوان، وألبرت سيلاديس، واريستو ستويتشكوف، وجويليرمو امور، وابيلاردو فيرنانديز، و انطونيو دي لاكروز، وفام برونكهورست، وتوأم دي بور، وغيرهم .
ولا يمكن أن ننسى جوزيه مورينهو الذي تأثر بشكل كبير بمعلميه روبسون وفان غال في برشلونة.

ومن المدربين الذين تأثروا بفكر برشلونه وتتلمذوا تحت هوية برشلونه:
زيدان، وروبيرتو دي زيربي، وساري، وكيكي سيتين، وغيرهم الكثير .



تصدير الكرة الشاملة والتكي تاكا

صحيح أن بداية الكرة الشاملة لم تكن مصدرها برشلونة ولكن ما هو مؤكد بما لا يدع مكان للشك أنها تطورت بشكل بالغ في برشلونة وكانت هي المصدر الرئيسي للإنتشار عالمياً عن طريق العرَّاب يوهان الذي كان لاعباً ومدرباً في برشلونه، وقد غير بذلك مفهوم الكرة في أغلب الأندية الأوروبية وكانت هذه المدرسة بداية شق الطريق لكرة القدم الحديثة وتمهيد واضح المعالم للإستعداد لما كانت تخفيه الأيام من الثورة الأحدث بقيادة العبقري بيب غوارديولا الذي نثر سحر التكي تاكا في المستطيل أخضر وعقلية اللاعبين والمدربين وتغيير قناعاتهم القديمة والتأثير عليها في أغلب نواحي العالم .

وهكذا…
ما زال برشلونة يتعملق في عالم الساحرة المستديرة، بتاريخه وعراقته وأساطيره وهويته و فلسفته الخاصة فحقا شكراً برشلونة.

.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *