الاشتياق .. الاحتياج .. ما أضعف هذا الكائن البشري !
الاشتياق .. شعور ممزوج باللهفة و الحزن .. لهفة للوصول لما تشتاق إليه و حزن على فراقه.
فرحة لتخيلك إياه و مروره بفكرك و دموع على صعوبة لقياه.
أما الاحتياج .. فنحن جميعا في احتياج منذ الولادة حتى الموت.
بل منذ أن بدأ الجنين في التكون حتى يفنى العبد و يصبح بين يدي ربه و هو في احتياج.
ما بين احتياج مادي و معنوي يعيش الإنسان حياته و ما بعدها.
هو دائما في حاجة لشيء ما، حتى يحيا أو بمعنى أدق حتى يستطيع أن يحيا.
الاحتياج هو ان تشعر بأن هناك شيء ملح تريده، تحتاجه حتى تستقيم لك الأمور.
بدون هذا الشيء فهناك ما ينقصك، قد يكون في بعض الأحيان وجودك على قيد الحياة مهددا بالخطر.
و عن الاشتياق فالأمر مختلف، الاشتياق دائما شعور بالحنين لشيء بعيد عنك.
لهفة لشيء ما، شيء ربما تعودت على وجوده في حياتك ثم غاب عنك لفترة طويلة أو ربما للأبد.
كلاهما طبع بشري لكن الاحتياج أقوى و أذل للإنسان، البشر جميعا تحت طائلة الاحتياج.
اما الاشتياق فهو سمة رقاق القلب، بينما هؤلاء غلاظ القلوب فلا حاجة لهم في الاشتياق.
إذن فالجميع في احتياج و لكن ليس كلهم في اشتياق.
و هناك بعض الامور يلزمها كلاهما لتكتمل؛ الحب مثلا جميعنا في حاجة إليه و الاشتياق للحبيب في الهجر لا يمكن نكرانه كما أخبرتنا سيدة الغناء العربي و كوكب الشرق أم كلثوم.
الاشتياق .. هل تشتاق لتلك الأشياء؟
هناك أشياء كثيرة نشتاق إليها منذ نعومة أظافرنا و لكنا كلما كبرنا و تقدم بنا العمر كلما زاد ما نشتاق إليه.
الاشتياق الاكبر في حياتنا هو الاشتياق للماضي .. الحنين للذكريات و اللهفة للزمن الفائت .. انه الاشتياق للأيام الماضية.
كلما مرت عليك السنين كلما إزدادت ذكرياتك و إزداد الاشتياق لتلك الايام التي لن تعود.
هل تتذكر إشتياقك لأمك حينما كانت تغادر المنزل لأي سبب عارض تاركة هذا الطفل الصغير يصرخ بكل جوارحه حتى تأتي حياته التي غادرته مؤقتا.
الحنين لهؤلاء الصغار رفقاء الطفولة و إفتقادك للعب معهم و تذكرك لأمتع لحظات الحياة.
كل شيء تشتاق لتفاصيله، حتى نسيم الصباح حينما كنت تذهب للمدرسة كل صباح سوف تشعر به يسري في أنفك من وقت لآخر.
الاشتياق لن ينتهي طالما كانت عروقك نابضة.
هل تشتاق لبنت الجيران التي رسمت الكثير من التصورات لها في خيالك؟ هل لازلت تذكرها؟
نشتاق حتى لجدران الأماكن التي اعتدنا على رؤيتها في الماضي.
أذكر لسعة البرد و أنا أسير مساء تحت المطر بصحبة هؤلاء الذين تركوني وحيدا الآن.
لازلت أشعر بحرارة الشمس عندما كنا نلعب وقت الظهيرة لا نبالي بشمس و لا حر.
أنا الآن جالس على مقعدي بصحبتهم متجهين لذلك البحر لننسى كل شيء حتى أنفسنا.
أفتقد أيام الدراسة كثيرا حتى المر منه أفتقده، فمرارة تلك الأيام هي شهد ذلك الشيب الذي أنار رأسي.
الاشتياق للحبيب .. ما أصعبه! من منا لم يعذب بناره؟
أشتاق لمن تركوا دنيانا من أجل دنياهم، أشتاق لمن تغربوا و تركونا نلهث وراء ثراهم.
الاشتياق لهؤلاء الذين رحلوا عن دنيانا .. هذا هو الأكثر صعوبة .. ذلك هو المستحيل.
لا يمكن أن تراهم اﻵن و لكم أشتاق لأحضان الغائبين.
الاشتياق شعور غريب؛ مزيج بين السيء و الجميل؛ جميل أن تتخيل ما تشتاق إليه و سيء هو بعده عنك.
لن نمل الاشتياق و لكنا أيضا لن نعتاد عليه؛ سنظل دائما نجد ما نشتاق إليه.
شعور مذل أنت تذكر كل شيء و لكنك لا تملك منه شيئا سوى الخيال.
الاحتياج .. هناك ما ينقصنا:
سنظل دائما في احتياج لما ينقصنا أو لما هو ضرورى لنبقى.
الله سبحانه و تعالى هو الاحتياج الأول و الأخير لنا.
منذ أن يأمر الله تعالى بأن تدب الروح في هذه النطفة حتى تصعد تلك الروح لبارئها و نحن في حاجة إليه.
حتى بعد الموت نحن في أشد الاحتياج لله عز و جل.
نحن بحاجة للطفه بنا و رحمته في الحياة و في الممات و ما بعدهما.
لا تقل أنا لست في حاجة لكذا بل سيأتي عليك اليوم و تحتاجه.
الصداقة مثلا احتياج؛ أنت دائما تحتاج لذلك الصديق الذي تسامره و تخبره بما لا يمكن أن تخبره لغيره.
شعورك بالدفء العائلي ليس إلا إحتياج، بدونهم أنت حقا لا شيء.
هل ترى تلك الحيوانات و الحشرات و ما خلق الله من دواب بقدرة الله المطلقة، أنت في احتياج لهم لاحداث التوازن البيئي الذي يحدث على هذه الأرض دون أن تدري.
أنت تحتاج لتلك الشمس و ذلك القمر و تلك البحار و الجبال و البحار و ….
الاحتياج لكل شيء، أتدري ؟ ذلك الهواء الذي تتنفسه دون أن تشعر؛ بدونه لا حياة لك.
الاحتياج للآخر نوع آخر من الاحتياج لا غنى عنه؛ الجنسين كلاهما يحتاج للآخر.
الدنيا قامت في الأساس على وجود آدم و حواء؛ الحياة كلها زوجين، البشر كلهم ذكر و أنثى، هذه هي الحياة.
من عاش و مات دون اﻵخر فحياته ناقصة و لم تكن لتكتمل دون اﻵخر.
الاحتياج للعمل من أجل الكسب مثلا، الاحتياج للراحة أيضا أساسي هو مصدر مهم لتقوى على العمل.
أنا و أنت و كلنا دائما في احتياج لما ينقصنا.
بالطبع الاحتياج للمال و الاحتياج للبنون هذه بديهيات بدونها هذه ليست حياة و لا هذه دنيا.
الاحتياج يتطلب السعي:
الاحتياج يتطلب السعي؛ فإن كنت تكتفي بما لديك فلماذا تحيا؟ بدون الاحتياج لن يكون هناك سعي و بدونه لن يكون هناك ثواب و عقاب.
فمثلا الفطرة السليمة تقتضي طاعة الله عز و جل و التوبة عند الخطيئة و لهذا انت في احتياج لله عز و جل و رحمته و مغفرته.
احتياجك للمال يجعلك تعمل و تسعى لتصل لما تريد.
الاحتياج للآخر يجبرك أن تسعى للبحث عنه حتى تصل للنصف الآخر الذي تكتمل به.
ألم نسمع منذ طفولتنا أن ” الحاجة أم الإختراع ” فلولا الاحتياج ما كان هناك اجتهاد لتحقيق ما تربو اليه.
أما الاشتياق فلا سعي فيه، مجرد إحساس و لكن ما باليد حيلة، تريد أن تمسك تلك الذكريات بين يديك.
و لكن هيهات هيهات.
الاشتياق و الاحتياج :
الاشتياق و الاحتياج خير دليل على ضعف النفس البشرية.
أنظر لنفسك عندما تشتاق لما لا تملكه، تشعر وقتها بالضعف و الذل لكن دون جدوى؛ ستشعر فقط.
مهما فعلت و حاولت أن تطوع الظروف لصالحك؛ ليس الأمر بيديك
أما الاحتياج فيتطلب منك بعض المجهود و ربما تستطيع أن تصل لما تريد في تلك الأمور التي بين يديك.
و هناك الكثير و الكثير من الإحتياجات أيضا و لكنك أقل من أن يكون الأمر بيديك أنت إنما هو بيد الله وحده.
الاشتياق و الاحتياج يتضمنان أمور مادية و معنوية بكل تأكيد لكن فكرة أن تظل النفس البشرية حبيستهما غريبة بعض الشيء.
لكن من المؤكد أنها حقيقة لا خلاف عليها.
وإلى هنا نصل بكم لختام مقالنا الذي تحدثنا من خلاله عن الاشتياق والاحتياج، حيث تعرفنا ما أضعف هذا الكائن البشري، وأن الاحتياج يتطلب السعي.
اترك تعليقاً