تناقض الشخصية .. هل هو أمر طبيعي؟ أم أنه دليل على خلل نفسي؟

تناقض الشخصية حقا أمر غريب، كيف بنفس الشخص يقوم بالفعل و عكسه.

احيانا ما اظن ان تناقض الشخصية قد يبدو اختلاف بين الظاهر و الباطن.

فالشخص نفسه قد يكون بداخله فكر خاص و لكنه يبدي في فعله عكس ما بداخله.

من الوارد أن يكون ذلك مجرد مجاراة للبيئة و المجتمع من حوله.

ظنا منه انه لو فعل ما يفكر فيه سيبدو و كأنه متمردا على المجتمع المحيط به.

أمر غريب حقا، من الجائز أيضا أن يكون ذلك عدم رضا عما بداخله.

و هذه مشكلة ليست بالبسيطة، فهذا يعني أن هناك صراعا داخليا محتدما بين الفكر و آلية تنفيذه.

هل من الممكن أن يكون ذلك محض الصدفة البحتة، مجرد تفكير ما لكن الظروف اضطرت هذا الشخص لفعل العكس.

هل هناك أسباب واضحة ل تناقض الشخصية؟

هَل هو أمر طبيعي ان هو خلل في السلوك، أو عرض لمرض نفسي معين.

اغلب الظن انه امر طبيعي، لكن الأكيد أن النفس البشرية جبارة، لا يمكن فهمها مهما قام البشر بدراسات على أنفسهم.

فهي بذلك مجرد نفس تحاول أن تدرس نفس أخرى!

تناقض الشخصية ، هل هو أمر طبيعي؟

لست دارسا أو ملما بعلم النفس،و إن كنت قارئا بعض الشيء، إنما احاول ان اتحدث عن ذلك من وجهة نظري الشخصية.

أو بمعنى آخر مجرد نفس تحاول أن تحلل نفس، فمن المؤكد أنني شخصيا لدي ما يكفيني من تناقضات.

لكن أرى أنه أمر طبيعي ان يحدث تناقض ما في شخصيتك، القرآن الكريم ذكر فيه كلمات عظيمة:

” إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(23وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27)” (سورة المعارج).

هنا يتحدث القرآن الكريم عن تناقض واضح و صريح في شخصية الإنسان.

و هو أن رد فعله يكون على قدر ما أتاه، فإن أصابه شر لا يصبر عليه و ان أتاه خير يكون حريص عليه كل الحرص و لا ينفق منه في سبيل الله.

اقرأ أيضا  الألوان و الشخصيات .. إعرف شخصيتك من لونك المفضل

و هنا تحدث القرآن الكريم عن الاستثناء أو العلاج وَ هو الصلاة، فهو حدد ” الا المصلين” في العموم ثم وضح صفتهم.

وَ كذلك المنفقين أموالهم ابتغاء مرضاة وجه الله، كما استثني المؤنين بيوم الدين الذين يخشون عذاب ربهم.

و في القرآن أيضا :

” فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16) ” (سورة الفجر)

الإنسان غير ثابت على حال بل متقلب المزاج.

إذا ما احس ان الدنيا تبتسم إليه و ان الله قد أعطاه من الرزق ما يرضيه يقول ان الله قد أكرمه.

و ان قل رزقه يقول ان ربه اهانه.

أمره غريب فعلا هذا الإنسان الرب هو نفس الرب و العبد هو نفس العبد إذن هناك ثابتين و متغيرين.

المتغيرين هما الفعل و رد الفعل، فالله في الأولى يرزقه و في الثانية أيضا و لكنه يرزقه كيفما شاء و كيفما قدر الله و هو أعلم بالخير له.

لكن الانسان بتناقضه و جحوده تغير رد فعله.

مما سبق يرتاح قلبي لفكرة أن الإنسان يجد في شخصه تناقض أقره القرآن الكريم.

هل تناقض الشخصية يتأثر بالمجتمع؟

اعتقد ذلك و بكل تأكيد.

إذا ما نشأ شخص ما في بيئة ضعيفة البنية لا تهتم بالنظافة سيلقي قمامته و يقضي حاجته أينما شاء و لا يبالي.

هات نفس الشخص و ضعه في بيئة مغايرة لذلك تهتم بالنظافة، عمال نظافة ينظفون في كل وقت و حين، صناديق لتجميع القمامة أينما ذهبت، ستجد ذلك الشخص تلقائيا يستخدم تلك الأشياء و كأنه من روتينه اليومي.

السؤال هنا، هل هو تغير صادق نابع من داخله أم أنه تغير يغلب عليه التقيد بالمظاهر المجتمعية من حوله؟

هل رأيت ذلك الرجل المهندم الذي يحترمه الجميع و يخشونه، فهو دائما شخص جامد أمامهم يأمر و ينهي في العمل، هل رأيته في بيته كيف يكون؟

قد يكون في منزله على خلاف ذلك تماما! أبا حنونا و زوجا مثاليا!

هذا هو الحال، لكل مقام مقال، هنا المحيط من حوله يقتضي الجمود و الالتزام و هناك دائما الدفء و الحب و الحنان.

انظر لنفسك حينما تكون بين أصدقائك، صوت عال متحرر غير متحفظ في كلامه، انت نفس الشخص مع مجموعة لا تألفها، ستكون شخصا مغايرا تماما.

اقرأ أيضا  الارتياب .. حينما ترى الخطر في كل من حولك .. الكل خونة و لن يثبت العكس .. هذا هو جنون الارتياب

حتى تظن نفسك أنك ذو شخصيتين أحدهما مهذبة و الاخرى طاغية.

كل هذه أمور طبيعية، لا أعدها نفاقا.

و نفس و ما سواها :



يقول الله تعالى في كتابه :

” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) ” (سورة الشمس )

إذا داخل كل منا شيئين، هما الفجور و التقوى.

إذا ما طغى الفجور للحظة يظهر شخص ذو هيئة و تركيبة معينة.

اما في حال ما انتصرت التقوى ستجد شخصا مغايرا لما كان عليه.

فهو صراع دائم داخل النفس البشرية بين الخير و الشر، بين الفجر و التقوى…….

وقتما تكون الغلبة لأحدهما على الآخر ستكون أنت بحلوك و مرك، اي و ربي كم هو عجيب أمرك!

آلام و انسجام :

الست تحب ربك، بلى بكل تأكيد، إذن لماذا تعصاه؟

العصيان من طبيعة النفس البشرية، التمرد على القاعدة من ثوابتها.

الحلال بين و الحرام بين، و نعرف ذلك جميعا، و لكنها طبيعة البشر في عشق الخطيئة.

دائما الممنوع مرغوب، حرمت الخمر; لكنها شهوة عند البعض، يشربها و هو اعلم بحرمانيتها.

ملعون الزاني و الزانية، لكن هي متعة!

يصلي و يصوم و يفعل كذا و كذا و لكنها لذة الحرام كما سولها له الشيطان.

و الله يعلم أن ذلك سيحدث من عباده و لهذا فتح لهم باب التوبة.

الغريب في الأمر هو شعور الإنسان بالالم بعد المعصية و يلوم نفسه بعدها على فعلته.

” وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)” (سورة القيامة)

و هذه النفس مازال فيها خير باق، التي تحاسب نفسها بعد الخطيئة.

اما من قلبه فهذا أمره منته،” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)” (سورة محمد)

“وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ (88)” (سورة البقرة)

و هناك من يعيش بهذا التناقض و لكنه سعيد بذلك مسالما لنفسه، متصالحا معها.

بل و ينبهر بنفسه احيانا، و أكثر ما تجد المتناقضات داخل الإنسان في شيئين، الأخلاقيات و الدين.

حانت صلاة الظهر، يغلق محله ليذهب للصلاة و لكنه يدخن سيجارته و هو في طريقه للمسجد.

يذهب ليخرج مع زوجته و أولاده لقضاء نهار يوم العطلة في احد الأماكن و المتنزهات، لكنه ليلا يذهب لرفيقته.

كيف يجتمعان؟ الشعور بالمسؤولية و الدفء الأسري من جهة و الخيانة الزوجية من جهة أخرى؟

اقرأ أيضا  صفات الأبراج .. كل برج له شخصية مميزة

صيام رمضان و شهر تملأه البركة، يقضي الشهر كاملا في طاعة و روحانيات جميلة، و يبتسم من داخله منتظرا ليلة وقفة العيد و ما فيها من محرمات.

تأخذ بيد زوجها الذي تعثر في عمله و ترفع من همته و هي تراسل صديقه في العمل خفاء.

عدد لا حصر له من التناقضات البشرية التي قد تجعلك تفقد عقلك بلا رجعة.

تناقض الفكر، الجنون:

و هنا يظهر جبروت العقل البشري، حيث ينشأ الصراع الأول و الأكبر بين  المتناقضات.

كل ما تحدثنا عنه من قبل كان تناقض بين القول أو الفكر و الفعل.

انما هنا نتحدث عن التناقض في الفكر أو بمعنى أدق صراع الأفكار داخل العقل.

كثيرا ما تنشب هذه المعركة داخل العقل البشري لكن دون جدوى لأنها لا تغير من الفعل شيء.

هي مجرد تناقض و اختلاف في الأفكار لا يتم تطبيقه على أرض الواقع.

لا غلبة لفكرة على الأخرى هي فقط حيرة داخل العقل، لكن لا أثر لها، يفضل فيها الشخص الاستسلام للامر الواقع.

انه ابي الذي رباني و علمني و ضاع عمره من أجلي، لكنه لم يفعل لي الكثير مما يفعله آباء آخرون لأبنائهم.

لم يؤمن لي مستقبلي كما يجب، لم أعش ذلك القدر من الرفاهية التي كان يجب أن اعيشها.

صراع يدور في راس الكثير من الشباب لكن لن يغير شيء اغلب الأوقات، سيظل الولد كما هو و والده كما هو، مجبر على أن يتعامل مع واقعه.

زوجتي ام أولادي التي عشت معها تلك الأيام التي فرحنا و حزنا فيها سويا.

لكن أي سعادة تلك التي اعيشها الان، انها حياة روتينية لا جديد فيها و لا جدوى منها.

يحب زوجته و يقدرها و لكنه لا يشعر معها بالسعادة لكنه مضطر لاستكمال المسيرة معها.


وطني الذي اعشقه، ولدت و تربيت فيه، شهدت فيه ايام الطفولة و الصبا و كبرت فيه.

و ها انا ذا بالكاد أجد قوت يومي و لا أجد من العيش الهنيء الا الفتات.

أبدا وطنك لن تغيره و لن تمحو حبه من داخلك مهما كنت ناقما عليه.

و غيرها من الصراعات الازلية التي تدور بداخلك ، لكن دون جدوى، سيظل تناقضا فكريا فقط داخل راسك، لن يخرج منها ابدا.

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *