الارتياب .. حينما ترى الخطر في كل من حولك .. الكل خونة و لن يثبت العكس .. هذا هو جنون الارتياب

الارتياب …..

إنه لأمر صعب ان تشعر بخيانة كل من حولك، شعور قاس جدا على أي إنسان.



أن ترى الغدر في عيونهم، وجودك بينهم يعني أنك لا تشعر بالأمان.

الكل خونة و لن يثبت العكس.

كل يغني على ليلاه و يريد أن يغتال ليلاك.

هكذا أنت تظن!

لن تصدق أحد و لو كان أقرب المقربين.

لن تثق أبدا في اي شخص مهما كان.

حتى ابتساماتهم في وجهك تحمل وراءها مصلحة مرادة لا أكثر.

احساس بشع أن تظن أن جميع من حولك يضطهدونك.

مجموعة من المشاعر المختلطة السخيفة و التي تتميز بالسلبية المفرطة تسيطر عليك.

بل تصبح انت قالبا جامدا غير قابل لإبداء المرونة و الثقة مع الآخر أيا من كان.

كل ذلك يدفعك دفعا نحو الهاوية، نحو الجنون و أي جنون، جنون الارتياب…..

و ماذا أيضا :

أن ترى الدنيا بمرآة سوداء.

لا يمر أمامك أي موقف إلا و توقفت عنده و امعنت التفكير فيه، و تتساءل، ترى ما هي النتائج المظلمة وراءه؟

من أين سيأتي الغدر و كيف سيأتي؟

إذا أبدى لك أحدهم حسن نيته معك تسرع إلى التفكير الأسود، ماذا يريد و ما هي المصلحة تلك المرة؟

إذا بادر أحدهم بالابتسامة، على الفور تمنحها لقب الصفراء.

لا ترى الجميل جميلا، بل تراه مخادعا، له غرض ما في أن يظهر جميلا، بل هو لا يظهر إنما يتظاهر.

الشك و الريبة سيقتلانك حتما يوما ما.

بل إنك قد تصل يوما ما إلى الكفر بكل من هم حولك.

ستصل إلى حد ” رب لا تذر على الأرض منهم ديارا ”

اقرأ أيضا  الخوف من الجديد .. هل لي يارب من خلاص؟

أي قسوة تلك التي وصل لها قلبك!

و لم كل هذا؟

كيف وصلت لهذا؟ 

هل هم الدافع؟

ام انت مغرم بذلك القبح؟

تعرضك لصدمة شديدة كفيلا بأن يحولك من حال إلى حال.

حتى و ان كانت الصدمة أمر حتمي قدري بحت، كالموت مثلا و فقدان العزيز.

الخيانة من أقذر أفعال بنو البشر، ليست ابدا بالهينة على صاحبها.

طعنة بألف خنجر قد تكون أهون على البعض من خيانة من كان يظنه عزيزا.

أو ربما تكون تلك الطفولة الحافلة بالقهر و الارغام على الصغيرة قبل الكبيرة هي السبب.

فهي تقودك إلى تكوين شخصية بائسة لا ترى في المجتمع من حولك الا الشر.

تلك الرؤية التي تدفعك عند الكبر لتفسير كل شيء على حسب هواك الشخصي متبعا سياسة التخوين أولا و أخيراً.

بالطبع هناك بعض الأمراض العضوية التي قد تؤدي إلى إصابة الشخص بجنون الارتياب.

لكن هنا نحن في حل من ذكرها، فالبحث في النفس البشرية افضل و أهم بكثير من البحث في الجسد الفاني الهالك لا محالة.

حفنة من الخونة و الغشاشين :

هكذا يكون ظنك بمن حولك دائما.

إصابتك بجنون الارتياب تجعلك تراهم جميعا حفنة من أصحاب القلوب المقفلة و التي لا تعرف إلا الشر.

ها هم اخوتك يواصلون تلك السيناريوهات التي طالما تعودت عليها منهم.

لكن تلك المرة من أجل الحصول على اكبر قدر من الميراث و تنحيتك جانبا.

اذكر حينما كنت طفلا صغيرا و هم يتبادلون اللعب و الهدايا فيما بينهم و كانت دائما ألعابي مطمعا لهم.

ها هي حبيبتك تخونك مع صديقك المقرب، فأنت تذكر بالطبع تلك النظرات التي لطالما تبادلا اياها ظانين انك الفتى الساذج الشقي الذي لا يفهم ما يدور من حوله.

اقرأ أيضا  تناقض الشخصية .. هل هو أمر طبيعي؟ أم أنه دليل على خلل نفسي؟

و لكن هيهات هيهات و انت ذو العقل اليقظ الذي لا يهدأ و لا ينام و كان لهما بالمرصاد.



اما عن أصدقاء العمل فحدث و لا حرج، فهو يريد أن يترقى على حسابك و انت المجتهد الدؤوب تبقى كما كنت.

و ذلك يريد الإيقاع بينك و بين رئيسك فهو ينظر إليك على انك لا تستحق حتى انت تبقى معهم.

بينما ذاك يرى فيك الخبث و اللؤم، وصولي بطبعك.

و الآخر يتفاخر أمامك بما وصل اليه.

و الجميع يسخرون منك و من مظهرك و من طريقة كلامك بل حتى يسخرون من وجودك بينهم.

هذا البائع نصاب، باعني ما اشتريت بثمن باهظ اكثر مما يستحق، بينما اعطنى الاخر سلعة بالية بالمرة.

بينما طبيبي لم بعطني سوى مسكن للألم و لم يعالجني مما أعاني حقا.

و جاري العزيز يريد أن يستغل برائتي و يرمي علي بكل شيء، و ينظر الي على اني الثري الذي يجب أن يدفع لكل شيء.

دعني أخبرك شيئا، أتذكر محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة ،ذلك الرجل الذي وصلت به الفتوحات إلى الحجاز و السودان و الشام.

مات هرما خرفا مصابا بجنون الارتياب معتزلا كل من حوله، ها أنت الآن تحذو حذوه.

و ينتهي بك الأمر وحيدا منعزلا عمن حولك، تعيش بعضك يأكل بعضك.

هذا إن جاز التعبير بأنك تعيش.

ألا لعنة الله على الظالمين.

هكذا تقول انت.

و لكن الحقيقة انت الظالم و ليس هم.

انت من عليه أن يتغير.

ليس لأجلهم و لكن لأجلك انت.

من أجل أن تحيا.

انت تموت كل يوم.

عليك أن تتغلب على ذلك، لأن عليك أن تحيا، لتكمل رسالتك قبل فوات الأوان.

اقرأ أيضا  انواع الشخصيات .. تعرف على شخصيتك .. هل أنت إنطوائي ، هستيري ، سيكوباتي ، سازج ، نرجسي أم …. ؟

كيف تحيا؟

قبل كل شيء تذكر أن هناك إله يحكمنا، خلق الخير كما خلق الشر.

علام الغيوب، كل ما يفعله لك، فهو خير.

هو الواحد الأحد الفرد الصمد، هو فقط القادر على قولها ” لا ظلم اليوم”

” واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.”

هكذا علمنا نبينا و هدينا محمد صلى الله عليه و سلم.

رواه الترمذي وأحمد وغيرهما، وصححه الألباني.

حسن الظن بالله ضروري في كل شيء، في كل صغيرة و كبيرة.

” حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ – وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ – قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَقُولُ اللهُ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.”

و لا أظن هناك أفضل من ذلك شيء يضع في قلبك الطمأنينة و الشعور بالأمان.

و في النهاية تأتي الأمور الأخرى مثل العلاج السلوكي المعرفي و محاولة اقناع الشخص بعكس تلك الثوابت في رأسه.



اختلاطه مع أصحاب العقول الراقية القادرين على تغيير معتقداته.

ممارسة الرياضة، تناول المهدئات، تنمية الأفكار و جعلها اكثر إيجابية و تدريب الشخص على التوقف عن التفكير بعمق في صغائر الأمور.

كل ذلك بالطبع سيساعد لكن يبقى الله أولا و أخيرا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *