علاقات لحظية ….. لحظة تتوقف عندها الحياة و أخرى تبدأها…..

علاقات لحظية ….. لحظة تتوقف عندها الحياة و أخرى تبدأها…..

علاقات لحظية …..



هل فكرت في ذلك من قبل؟

هل تعلم أن هناك العشرات من العلاقات اللحظية و التي قد نمر بها يوميا دون أن نشعر أو ندري!

قد يكون هذا الكلام غير مقنع للبعض، فاليوم يمر، شئنا أم أبينا يمر، طالما لازال هناك في صدورنا أنفاس فهو يوم يمر.

لكن ذلك التساؤل عن علاقات تترك فينا أثرا، قد يكون لبرهة بسيطة من الزمن و قد يطووووووول.

هو مجرد حدث عابر، يمر علينا وقتها مرور الكرام، و لكننا نظل نذكره كثيرا مهما طال بنا الزمن.

لحظة قد تجعلنا نبتسم برفق و أخرى قد ترمي بهموم الدنيا فوق أكتافنا.

هل ما سبق مجرد صفصطة لا قيمة لها؟

محتمل…..

هل هو واقع نعيشه و لكن نجهله؟

و لم لا…..

أم هو قول حق و صدق؟

من المؤكد أنه كذلك عند البعض…..

عند هؤلاء الذين لا تكف أدمغتهم عن العمل ليلا نهارا، و تحترق رؤوسهم دون أن تنطفئ.

عند ذلك الشاب الذي يجلس في غرفته وحيدا ليلا مطفئا أنوارها، يعانق بشفتيه السيجارة تلو الأخرى.

فهو يتذكر كل شيء بأدق تفاصيله و حينما يفرغ من كل ما يشغله تأتي لحظة السعادة.

لحظة أن يداعب عقله بكل ما حدث في يومه.

يلعبان معا لعبة القط و الفأر، كلاهما يحاول أن يهزم الآخر، إن هي إلا لعبة كر و فى ليس أكثر.

أو عند تلك الفتاة المرهفة الحس و التي تعودت أن تدون أحداث يومها كل ليلة،خوفا أن تضيع تفصيلة بسيطة من ذاك اليوم العظيم.

فهي تشعر أن كل يوم يمر بها هو يوم عظيم، طالما أشرقت فيه شمس و غربت فهو بالتأكيد يوم عظيم.

منحها الله فيه فرصة جديدة لتحيا الحياة التي تريدها، تحيا لتفكر، تحيا لتغوص في أعماق واقعها، تحيا لتثبت للجميع أنها هنا لسبب ما، و أنها هي ليست على الهامش أبدا.

يكفينا مبهم الحديث هذا، نريد أن نفهم،،،، ماذا تعني بذلك؟ ماذا تعني ب

علاقات لحظية :

هل ركبت قطارا من قبل؟

بكل تأكيد نعم. و لم السؤال؟

هل تذكر ذلك الرجل الذي كان يقف في بالكونة هذا البيت الصغير؟

نعم كان بيتا صغيرا، ربما كان من طابقين لا أكثر، و بالطبع ليس عليه من الطلاء أي شيء.

فلم تكن أموال السفر للخارج تكفي لكل هذا.

بالكاد اشترى قطعة الأرض بالتقسيط و ظل على مدار ٦ سنوات يبني في ذلك البيت و يسدد لكل هؤلاء، البنا و النجار و السباك و المقاول و……

أذكر الرجل واقفا ساعة العصاري، في حر يوليو المؤلم، مرتديا تلك الفانلة بحمالات، ممسكا بسيجارته في رعونة و كأنه ملكا متوجا.

يزداد عظمة و هو يرتشف كوبا من الشاي أعدته له تلك المطحونة ليلا نهارا.

كان يشاهد القطار في عنجهية غريبة، ينظر لى و انظر له دون أن تلتقي عينانا، فهي مجرد لحظة.



لكن جال فيها الكثير و الكثير في خاطري.

من هو؟ ترى ماذا يعمل؟ هل لديه اولاد؟ هل هو متزوج أصلا؟ كم عمره؟ متى سيموت؟ هل من الممكن أن تجري المقادير و أجد نفسي في مواجهته يوما ما؟ و الأصعب هل سأتذكره……… ؟

و ما شغل بالي أكثر فأكثر، هل هو أيضا فكر فيمن رأي في القطار؟ في أنا؟

هل استحوذت على حيزا بسيطا من تفكيره، كما استحوذ هو؟….

لا أدري….

لا أدري هل حدث ذلك معه….. ؟

و لا أدري لم حدث هذا معي….. ؟

علاقات لحظية …. 

لقد كنت صغيرا وقتها و لكن ليس بالقدر الكاف الذي لا يجعلني افكر فيها و اتخيل ما تخيلته.

كنت في تلك الحصة عند ذلك المدرس الذي أذكره و من المؤكد أنه لم يعد يذكرني.

كان رجلا صارما، لا يحب الدلع المريء، هناك مجموعات خاصة للولاد و مجموعات خاصة للبنات ” أنا مبحبش الدلع و المياصة”.

كنت أستغرب ذلك، فلم تكن فيزيقا أو رياضيات، قد كانت مجرد لغة و لا تحتاج إلى كل هذا القدر من الشدة.

و لكن حدث ما كنت أتمناه، اليوم فقط حدثت المعجزة، و شاءت الأقدار أن تأتي بما تشتهي سفينتي.

كنا مجموعة من أنصاف الرجال بالكاد قد خط السواد تحت أنوفنا و كنا نظن “جميعنا” اننا نملك من الفحولة ما يجعلنا نقسم الجدار نصفين.

قبل أن تبدأ الحصة و كالعادة يسود الهرج و المرج إلى أن يأتي مهيب الركن الذي يعلم بحور اللغة و محيطاتها.

و بالفعل صمتنا كلنا فجأة ، و لكن هذه المرة لم تكن لدخول فحل اللغة و لكن، آه و آه من و لكن……

سبقها عطرها، تحسسته أنوفنا، كانت قد بدأت الفوضى في الانسحاب بمجرد أن سمعنا صوت طرق الباب.

هو لم يكن متعودا على ذلك، كان يدخل كالمخبرين دون احم او دستور.

طرق للباب، رائحة لم نعتد عليها أبدا وسط ذلك الجمع من الأطفوشباب.

ثم بدأنا نسمع صرير الباب رويدا رويدا و اذا بالقلوب لدى الحناجر.

” يا الهي” على طريقة الأفلام الأجنبية، تمتمت بها في سري متعجبا.

؟؟ !! 

كيف يحدث ذلك؟

و من هذه؟ و لماذا هي هكذا؟ هي ليست مثلهن أبدا؟

كل من كنا نعرفهن كانوا كالقالب الواحد، يرتدين تلك الملابس البسيطة و التي تدل قطعا على أنهن مثلنا تماما من هواة الطبقة المتوسطة و ما هو أدنى.

كن جميعا يرتدين الحجاب، لا لمساحيق التجميل، لا للعطور، لا لأي شيء قد يحسن من مظهرهن، هذا فقط لما هو بعد التعليم الثانوي، للجامعة.

هي كانت مختلفة، تشعر و كأنها ليست مننا، هي غيرهن.

أعتقد أنها تملك من المال ما ليس مع أهالينا كلنا.

ربما يكون والدها رجل أعمال ثريا و امها سيدة أعمال من بتوع التليفزيون.

و الآن فهمت لماذا هي هنا؟

حينما دخل معلمنا وضحت الرؤية، فقد كان موعد زفاف اختها الكبرى يتعارض مع موعد حصتها في مجموعتها.

” و بالمناسبة كلكم معزومين على الفرح ان شاء الله و طبعا حضرتك يا مستر”.

لم يكن حدثا طبيعيا، كان صوتها عذبا هينا شديد الرقة، حتى مخارج الألفاظ لا يشوبها شائبة.

هل حدث ما أظن؟

هل كانت ترمقني بالنظرات من وقت لآخر؟

هل وقعت في حبي في minute؟

أعتقد انها ستعطيني رقم تليفون بيتهم في الخباثة.

كان واضحا جليا أنها أغرمت بي، فأنا كنت أفضل من في الموجودين، اعرف ذلك، قد كنت دائما من المميزين.

و هذا النوع يعجبهن كثيرا حتى و لو على سبيل الاستغلال و النفعية المطلقة.

لكن قد يكون النفع متبادل، فلربما قد يطفيء هذا الكثير من النيران.

شرد ذهني أكثر و أكثر، هل سنبدأ في الخروج سويا؟ هل ستكون قصة حبنا عنيفة؟ من المؤكد اننا سنعيش قدرا كبيرا من الحرية عندما ندخل الجامعة سويا.

هل سنفعل يوما مثلما يفعل الكبار؟

ما الذي يحدث الآن؟ كيف لذلك المتعجرف أن ينهي الحصة بهذه السرعة!

لم لم تعطني رقم الهاتف قبل أن تخرج؟

كيف سنتقابل إذن؟

رحلت و لم أرها من يومها.

رحلت و لم يحدث اي شيء، بل كنت عابر سبيل و كأنها لم تلقاه اصلا.

لحظة جميلة في خيالي عشتها، خيالي انا فقط، و من الواضح أن خيالها هي كان مشغولا بفرح اختها……



علاقة لحظية لم تدم سوى مقدار ساعة و لكنها لازالت عالقة في الذاكرة، لن تنسى.

علاقات لحظية …..

كانت تسير في ذلك الشارع الذي كنت احفظه جيدا، فأنا لم أكن أبدا أغادره إلا عند النوم، كنت أعرف كل تفصيلة فيها تقريبا، صغيرة كانت أو كبيرة.

كنا نسير في عكس اتجاه بعضنا البعض و كنت قد لمحتها من بعيد، كان على يساري محل الجملة و القطاعي الذي لطالما تعودت على الشراء منه.

كان فيه عدد لا بأس به من الباعة و لكني أذكر أحدهم جيدا خاصة بشفته العليا المقسومة نصين و التي على الأرجح كانت شفة أرنبية لم تعالج جيدا منذ الطفولة.

أما عن صاحبة الحلال فكانت أرملة مكافحة، كنت أحترمها كثيرا لهذا السبب.

بينما كانت تسير هي في اتجاهي و على يمينها الكثير من العماير ذات السبعة أدوار، أتذكر ذلك المكان جيدا، حينما كنت صغيرا لم يكن لأي من هذه المباني موجود.

كانت أرض فضاء واسعة، لعبنا فيها الكرة حتى صرنا جزءا من ترابها، حتى أننا بكينا حينما أتى ذلك الحفار الكبير و دب فيها أولى طعناته، معلنا بداية النهاية لسنين طويلة جميلة نذكرها إلى الآن.

كان لونها قمحيا بوجه مستدير يكاد يكون كامل الاستدارة، عنقها يكاد يكون غير موجود، قصيرة الطول، لا يتعدى طولها ١٦٠ سم.

جسمها ممتلئ شيئا قليلا، تمشي على مهل، ذات وجه يغلب عليه الجدية و الشقاء، يمتزجان معا، و من الصعب أن تخمن من فيهما غالب.

خمارها يتدلى حتى ركبتيها أو أعلى قليلا، لونه بنفس لون رداءها أو يتماشى معه بدرجة كبيرة.

تخفي يديها و ما فيهما من تجاعيد دالة على شقاء و سنين غلب كثيرة و مرهقة بذلك ال جوانتي الذي يتناسب بدوره مع لون الرداء و الخمار.

إنها هي! 

أمي……

اقتربت اكثر و اكثر و صارت خطواتي أسرع و أكثر رشاقة فأنا اشتقت كثيرا لهذا اللقاء، أنا مازلت طفلا أمامها و احب ان تشعرني دائما اني طفلها المدلل.

صارت ابتسامتي اكثر عرضا و تجلت اسناني الامامية بوضوح و تعالت شفتي العليا من الجهة اليسرى أعلى من صديقتها اليمنى، فهي كذلك دائما.

لكن لماذا لم تبتسم هي؟

أين تلك الابتسامة التي لطالما عشقتها، و التي بالكاد يفتح فيها هذا الثغر….!

لماذا كل هذا الجمود في ملامحها؟

هل حدث مكروه لا قدر الله؟

دنوت منها اكثر حتى صرت قاب قوسين أو أدنى.

أمااااه أنا سأعبر بجوارك الآن…..

أمااااه، لم لم تناد علي؟

لم اسمع هذا الصوت الرقيق؟ ” انت رايح فين يا محمد؟”

و في ذهول عبرت بجوارها دون أن يحدث شيء!

انها ليست هي.

ليست أمي.

ليست كما كنت أظن أو أتمنى.

الآن تذكرت……

تذكرت الحقيقة التي أبدا لا أريد أن أصدقها، فتلك التي ربتني صغيرا فارقت الحياة منذ زمن ليس ببعيد و لكنه غير قريب أيضا.

أما عن تلك المرأة التي مرت بجواري، فهي تشبهها في كل شيء من الخارج.

لكن هل هي تشبهها من الداخل أيضا، بالطبع لا أعرف.

لكني بدون وعي دعوت لهما، دعوت لأمي بالرحمة و المغفرة و دعوت لتلك السيدة بالصحة و طول العمر.

علاقات لحظية ….

تلك كانت مجرد أمثلة ل علاقات لحظية ربما لم تدم الا لدقائق معدودة و لكن لازلت أذكرها و لا انساها ابدا.

و من منا ليس له علاقات لحظية كتلك؟

هل تذكر ذلك الشيخ الذي خطب خطبة عصماء و عاد فيها و زاد، يومها لم تصل في المسجد الذي اعتدت الصلاة فيه لأسباب خارجة عن ارادتك.

كان ذلك صنيع الأقدار كي تسمع تلك الخطبة، هل تذكر حديثه عن الله الواحد القهار؟

و عن رسول الله و كيف كانت أخلاقه؟



و عن صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كيف كان صلاحهم و إيمانهم.

كانت اختبارات الثانوية العامة أمرا هاما في حياتنا جميعا، هل ارتبطت بذلك الدرج الذي كنت تجلس عليه ممتحنا.

مازالت تتذكره و تتذكر تلك الأيام؟

أعتقد نعم.

أسبوع كل صيف، تتذكر فيه كل لحظة، فنحن كننا منتظره من الاجازة للاجازة.

بكل ما فيه من فوضى عارمة و أهل و أصدقاء و نوم شحيح و ضحك كثييييييير.

تلك اللحظة الأولى لك في المدرسة، تذكرها كما انها كانت بالأمس.

حينما وقعت عينك للمرة الأولى عليها، حينما قررت أن تتزوجها، حينما دعوت الله أن يجعلها من نصيبك، كم مر على اللحظة الآن؟

عشرات بل مئات، لا بل آلاف اللحظات تصنع لنا تاريخ من علاقات لحظية لا متناهية إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *