الحوار بين الهوية والواقعية لتحديد هوية برشلونه كفريق كرة قدم



بعدما زاد الصراع وعظُمَ الخلاف في تحديد هوية المصطلحات والواقع بين العلم النظري والتطبيق العملي، أصبح من الضروري أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة المهمة ونجيب عليها فيما يتعلق بـ ‏الهوية، الأسلوب، الكرة الشاملة، اللعب الموضعي “positional Play” ، الواقعية، ونطرح بعض التساؤلات:
من يحدد أسلوب لعب برشلونه وما هي هوية برشلونه ؟؟
وهل برشلونه أصبح فريق دفاعي؟؟
وما الفرق بين التكي تاكا والكرة الشاملة؟؟
وكيف نميز الأسلوب الدفاعي من غيره؟؟
وما هي الواقعية؟
وهل تتعارض الواقعية مع الهوية؟
وما أهمية الواقعية في الوقت الحالي؟

أولا: من يحدد طريقة لعب برشلونه وما هي طريقة برشلونه من الأساس ؟

الجواب:
يختلف الناس في طريقة لعب برشلونه، منهم من يقول أنها الهوية الهجومية، ومنهم من يقول الكرة الشاملة، ومنهم من يقول التكي تاكا، ومنهم من يقول الإستحواذ !!
والصحيح أن كل ذلك يُعَد من هوية النادي، سواء كان شيء من ذلك أو كله مجتمع في الوقت نفسه.
برشلونه عبر تاريخه ومن قبل كرويف وهو يلعب بالكرة الهجومية ثم تطور ذلك الأمر الى نقاط تفصيلية في عهد كرويف ليلعب الكرة الشاملة والإستحواذ ثم وصل الى ذروة التكي تاكا مع بيب، وبالتالي البعض يطالب المدربين بتنفيذ اسلوب معين يظنه هو الهوية وهو اسلوب النادي ويحجر ما يعتقد ويسقطه على الواقع، ويبني على ذلك أحكاماً .



 

ثانيا: هل برشلونه الحالي أصبح لعبه دفاعي؟

الجواب:
بالطبع لا، برشلونه إحصائياً هناك معدلات رائعة جداً تثبت نسب الهجوم والإستحواذ ورسم بياني يبين مناطق اللعب لدى برشلونه كما حدث في هدف وفرصة برشلونه في قلب اولدترافورد التي طبق فيها برشلونه جميع الأساليب المذكورة أعلاه.
برشلونه كمعدل تهديفي يُعَد في التوب دائماً قبل فالفيردي ومعه، اليست كثرة الأهداف وكثرة اللعب في مناطق الخصم والإستحواذ هو واقع الهجوم الذي ينكره البعض ؟!! .
وهذه احصائيات فالفيردي هذا الموسم لحد الآن 18/19، والتي تظهر فيها أرقاماً ومؤشرات كبيرة وواضحة تبين حقيقة هذه النظرة الخاطئة:
اهداف برشلونه 131 .
بمعدل 2.5 في المباراة، داخل منطقة الجزاء 1.5 .
معدل التسديد 15.7 ، داخل منطقة الجزاء 8.8 .
الإستحواذ 61% .
نجاح التمرير 88.6% .
المراوغات 11.5 .
صناعة الفرص 1.7 .
صناعة فرص حاسمة 11.5 .
صناعة من تمرير قصير 10.5
صناعة من تمرير طويل 1 .
تمرير قصير متقن 562 .
تمرير طويل 34 .
وإذا ما قارناها بمجمل أرقام بيب وكلوب الذَيْن يُعِدُّهما الكوليز مضرباً للمثل في الهجوم، وبفارق كبير عن فالفيردي الدفاعي !! نرى ارقامهما كالتالي:
غوارديولا:
الاهداف 154 .

اقرأ أيضا  فالفيردي و الإعداد البدني

معدل التسديد 18 .
الاستحواذ 63.3% .
نجاح التمريرات 98.2% .

كلوب:
الأهداف 117 .
معدل التسديد 15 .
الإستحواذ 56.9% .
نجاح التمرير 83.4% .
الأدلة الرقمية والتفصيلية متوفرة، فقط تحتاج الى صدق مع النفس وعدل وإنصاف.

 

 

ثالثا: ما الفرق بين التكي تاكا والكرة الشاملة؟

 

الجواب: ربط هذا السؤال بالموضوع بسبب أن أغلب الناس يقولون فالفيردي لا يلعب بتكتيك التكي تاكا، نقول نعم، ولكن بنسبة معينة وليس أمراً كليَّاً، فالكرة الشاملة التي يلعب بها كرويف تختلف عن تكي تاكا بيب، وهي أشمل وأعم ويسمح فيها ما لا يسمح في التكي تاكا من تمريرات طولية وتسديد عن بعد والهجوم المرتد واللعب العمودي ولكنهم يتفقوا على أُسس الهجوم والضغط المتوسط والضغط العالي والإستحواذ، وتدوير الكرة لجميع أفراد الفريق، بما يختلف عن التكي تاكا في التمرير القصير واللعب العرضي والوصول بالكرة لآخر نقطة في المرحلة النهائية من التحضير في الإنهاء والحسم . وما نلحظه ان فالفيردي يفعل ذلك كله فأين التهم الباطلة من ذلك كله؟! . فالفيردي يلعب الكرة بين الثلث الثاني والثالث بدرجة أكبر من الثلث الأول، وتمركز لاعبيه في هذه الوضعية هو الأمر السائد، فهو يطبق جميع الأساليب والتكتيكات التي ذكرناها بناءاً على الإحصاء والرسم والواقع المشاهد، ولكنه يجمع بينها وبين الواقعية لأسباب سيتم ذكرها لاحقاً .

 

رابعا: كيف نميز الأسلوب الدفاعي من الهجومي؟

 

الجواب: يخلط الناس في هذه القضية خلطاً كبيراً، الأمر يعتمد على نقطتين رئيسيتين:

1_الإعتماد الأصلي والطابع العام .

2_الأرقام والإحصائيات .

الأول: يجب أن يكون إعتماد المدرب الرئيسي على أسلوب معين يأخذ معظم المباراة يخرج منه أحياناً لمحاولة التسجيل أو التأمين أو لتوزيع وتيرة اللعب على كلّ فترة من كلّ مباراة ثم يعود لذلك الإسلوب من جديد، فهو المرجع الرئيسي، فما يحدث مع فالفيردي فإنه يبدأ المباريات بمحاولة التسجيل مع الإستحواذ ثم إن سجل أو حاول كثيراً وفشل، يعود للتأمين لأن كثرة الهجوم توفر المساحات المناسبة للخصوم لشن الهجمات المرتدة أو استغلال الأخطاء الناتجة عن كثرة التمريرات، وهذا ما كان يسقط في فخه نادي برشلونه كثيراً، وكذلك للحاجة الماسة لإراحة لاعبي الفريق الأساسيين الذين ينافسون على ثلاث بطولات يتخللها مباريات لمنتخباتهم، فلو لعبوا بذلك الرتم وتلك القوة الهجومية والإستحواذ الهجومي المتطلب للكثير من العمل والحركة والجهد الذهني لخلق تلك المثلثات وأفضل خيارات التمرير وخلق المساحات والتحرك فيها لوصلوا لنصف الموسم وهم لا يستطيعون الحركة . الثاني: تلك الإحصائيات التي تقيس معدلات الإستحواذ والفرص ونسب الإعتراضات للمدافعين وقطع الكرات والخرائط الحرارية والرسم البياني الذي يبين موضع اللعب .

اقرأ أيضا  نجوم كرة القدم الذين لعبوا مشوارهم الكروى فى نادى واحد..أشهرهم ريان جيجز و باولو

 

خامسا: ما هي الواقعية؟

الجواب على قسمَين:

واقعية فنية: اللعب في حدود امكانيات اللاعبين بدنياً وبقدر مستواهم التكنيكي وقوتهم المهارية مع درجة الرشاقة والخبث الكروي .

واقعية تكتيكية: اللعب بالمتطلبات التي تضمن الفوز أولاً ثم المتعة ثانياً، كتجزئة المباراة الى أوقات للدفاع واوقات للهجوم واوقات للضغط، وتغيير الخطة على حسب المعطيات وظروف المباريات مما يتناسب مع قرارات المدربين وقرائتهم وتدخلاتهم وتكتيك الخصوم واللعب المضاد وهكذا . وكلاهما مهمَّين لدى أي مدرب ويقوم به المدربون للفوز بالمباريات وتحقيق النجاحات، كما رأينا بيب يدافع أحيانا ويهاجم أحيانا في مباراتي توتنهام بدوري الأبطال مع قلة التطبيق في مباراة الإياب التي بدورها كانت سبباً في خروجه من البطولة، فجميع المدربين أصبحوا يعوا ذلك الأمر جيداً، وهو الجمع بين الإمتاع والواقعية .

 

سادسا: هل تتعارض الواقعية مع الهوية؟

 

الجواب: في حقيقة الأمر الواقعية تجتمع مع الهوية أثناء المباريات، فأحياناً يرتكز اللعب على الجانب التكتيكي والحصول على الفوز بالشكل المناسب مع تأمين المناطق، وفي أثناء المباريات يلعب الفريق بهويته وهو الغالب، يهاجم ويستحوذ وأحياناً يضغط، وكذا العكس مع الفرق الدفاعية كاتلتيكو مدريد على سبيل المثال، يلعب بهويته الدفاعية ثم يفرض تكتيكه واستراتيجيته الهجومية، وبالتالي يكون قد جمع بينهما ولا تعارض في ذلك البتة، وإنما المهم أن تكون تلك الهوية لها الطابع الرئيسي في المباراة .



 

سابعا: ما أهمية الواقعية في الوقت الحالي؟

 

الجواب على قسمين:

أولا: عندما نشهد ما حدث في كأس العالم وما يحدث للأندية التي تمارس لعب الهوية وحدها دون العودة للواقعية التي تم توضيحها سابقاً، من عدم نجاح في جلب البطولات، بيب عندما تمسك بأسلوبه لم يفز بالدوري مرة وخروج من الأبطال ثلاث مرات متتاليات بعضها بأرقام مخجلة، وعندما فاز بالدوري كان قد تعلم من الدروس، وفهم أنه لابد من التعامل من الواقعية في بعض الأحيان، وكما شاهدناه أمام توتنهام عندما تعامل بواقعية شديدة “في الذهاب” لأنه يعرف خطورة توتنهام في أرضهم، وإن خسر فهو قد خرج بأقل الأضرار للتعويض بخلاف لو تعامل بعنجهية والإبتعاد عن الحكمة في التصرف، لعله فقد الأمل في التأهل بشكل رسمي، ولكن عندما تخلى عن ذلك بشكل نسبي لقي العقاب وخرج، وليس المقصد التقليل من العبقري بيب وإنما شرح الأسباب التي تبين خطر الإبتعاد عن الواقعية . وكذلك مورينهو عندما تمسك بهويته واسلوبه وترك الواقعية الذي تحتم عليه الهجوم في بعض المباريات وفي بعض الاوقات، نجده يعاني أمام سيلتا واشبيلية وفالنسيا وصغار وكبار انجلترا فقط لأنه لا يتعامل وفق الظروف والإمكانيات التي لديه فنياً وتكتيكياً .

اقرأ أيضا  نظرة مختصرة على ثلاثية برشلونة 19/20

ثانياً: في برشلونه لو نظرنا لركائز الفريق لتحدثنا عن بيكيه والبا وبوسكي وراكي وميسي وسواريز، أي أننا نتحدث عن 6 لاعبين وفي كل مركز 2 لو الفريق فقد أحدهم فإن كفة الميزان ستختل، هؤلاء اللاعبين كلهم أعمارهم في حدود الـ 30 عام، واللعب بالهجوم والرتم العالي والضغط العالي والإستحواذ والتكي تاكا يتطلب جهد جبار ولاعبين شباب يمتلكون الخفة والرشاقة والسرعة والمهارة والدقة والذكاء، وهذا لا يتحقق في برشلونه حالياً، لاسيما وإن ضممنا لهم آرثر وكوتينهو “من ناحية سوء اللياقة البدنية” هذا الأسلوب لن يتماشى مع هذه النوعية من اللاعبين، صحيح هم لاعبين كبار وعلى مستوى عالي وأنه فريق جاهز بنسبة كبيرة، ولكن تظل معضلة الأسلوب لابد للمدرب أن يتعامل معها بواقعية كي يحقق الإنتصارات. اللعب اللا مركزي والتكي تاكا او مرر بجانبك وادخل للعمق هي لعبة بالغة الخطورة لكمية إنكشاف الظهر بسببها ولا “يتقنها” الا لاعبين على مستوى عالي من الصفات التي ذكرنا كما كنا نشاهد الفيس وبوسكيتس “الشاب” وتشافي واندريس وبيدرو وميسي “الشاب” وفيا وغيرهم . المدرب يقلل الجهد ويقسم وتيرة اللعب “ويبطئ الرتم في بعض الأحيان” وهذا ما يسبب الملل لدى الجماهير” لأن الفريق أحياناً يلعب على المرتدات ولكن بشكل سريع وممتع وتجد الجمهور سعيد جداً بالأداء رغم أنه لم يلعب بالتكي تاكا !! كما حدث في مباراة اشبيلية الريمونتادا، فالذي يزعج الجماهير هو بطئ الرتم وليس عدم اللعب بالهوية، فالهوية يلعب بها المدرب كما وضحت أيضاً سابقاً، وسبب ذلك الرتم البطيء هو نوعية اللاعبين من بطئ وقلة دقة وقلة الحركية وسرعة البديهة نسبياً إضافة الى كبر سن ركائز الفريق وضعف لياقتهم وغيرها، ولهذا كان التفكير في الفوز والتعامل بحكمة ومنطقية مع الحفاظ على الهوية والأسلوب بأسلوب وواقعية تتناسب مع كل تلك الظروف مقترنة بالنجاح الكبير، البطولات القصيرة التي لا يكون فيها هامش للخطأ وترك المساحات تختلف عن بطولة الدوري التي تتماشى مع الوتيرة والاسلوب الذي تلعب به وفق للامكانيات ‏فيُأمن الدفاع والهجوم على حد سواء، خصوصا في الابطال التي افتقدها بيب ولو طبقها بيب 2010 و 2012 كنا حصلنا عليها بذلك الفريق الجبار حينها، فالفيردي يقوم بهذا العمل الجبار ولا يقوم به الا مدرب عظيم، يستطيع التعامل مع الظروف كلها حتى إصابات اللاعبين، دون الإخلال بالتوازن، ومع إظهار مرونة فنية وتكتيكية جبارة .

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *