الشدة المستنصرية .. أسوأ الكوارث التي حدثت في مصر، كيف بدأت؟ و كيف انتهت؟

الشدة المستنصرية .. هي أسوأ كارثة طبيعية حدثت في مصر المحروسة.




مصر الدولة العريقة التي يمتد تاريخها لسبعة آلاف سنة، اصل الحضارات جميعا تعرضت من قبل لواحدة من أشد المجاعات.

كان ذلك في عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.

و الى اسمه نسبت تلك المجاعة التي لم تشهدها مصر من قبل و لم تحدث مثلها من بعد و لله الحمد.

و كان انخفاض منسوب مياه النيل الشديد هو السبب الرئيسي لتلك المجاعة.

ناهيك عن الانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في تلك الفترة.

بخلاف عدم الاستقرار السياسي فصار الهرج و المرج هما الحاكم الفعلي للبلاد.

المستنصر بالله الخليفة الفاطمي له ما له و عليه ما عليه لكن التصق اسمه بما تنقبض له قلوب المصريين.

ليس أشد على الإنسان من ألا يجد ما يأكله، و هذا ليس ليوم أو يومين بل لسبعة سنوات.

سبع سنين عجاف أتت على الأخضر و اليابس في أقدم و أعرق الأمم.

حدث فيهم ما لا يمكن تخيله، ما لاعين رأت و لا أذن سمعت.

روي عن تلك الفترة الأهوال التي يشيب لها الولدان، ارتكبت حين ذاك أبشع الجرائم.

تجرد المصريون من أي معنى للإنسانية في فترة يتمنون و كأنها لم تكن و يتبرأوا منها.

أكلت فيه الميتة بل و أكل فيها البشر.

بيعت القصور مقابل لقمة عيش واحدة.

روايات كثيرة تنتفض لها الإنسانية تروى عن تلك الفترة المشئومة في تاريخ مصر العظيمة.

بداية، من هو الخليفة المستنصر :

ولد ابو تميم معد المستنصر بالله الفاطمي في العام ٤٢٠ من الهجرة النبوية الشريفة.

و تولى العهد و هو ابن ثمانية أشهر.

بينما أسند له الحكم و هو في السابعة من عمره.

اقرأ أيضا  نهر النيل .. منبع نهر النيل .. طول نهر النيل .. أهمية نهر النيل

و لما كان المستنصر صغيرا في السن تولت الوصاية عليه أمه، و التي ظلت تتدخل في أمور الحكم حتى بعد أن تولى الحكم بشكل رسمي.

و كانت بداية عصره بداية موفقة لأي خليفة حيث كانت شئون الحكم و البلاد مزدهرة و المصريين في أفضل حال.

الأمر الذي انهار تمام الانهيار في خلال السبع العجاف لا اعادهم الله.

امتد حكم المستنصر بالله، الذي يقال ان نسبه يمتد للإمام على رضي الله عنه، إلى نحو ستين عاما.

بداية الأزمة في الشدة المستنصرية :



كانت هناك بعض الارهاصات التي تبشر بحدوث كارثة بشكل أو بآخر في البلاد.

لكن لم يكن متوقعا ابدا ان تحدث كارثة طبيعية بهذا الشكل يؤجج توقدها الوضع المنهار من قبلها.

و كانت من تلك العلامات، انه كان الحكم في مصر في تلك الفترة يقتضي أن يقوم الحاكم بشراء كمية كبيرة من الغلال و الحبوب لضبط أسعار السوق.

فبذلك يستطيع مواجهة جشع التجار و ممارستهم لسياسة الاحتكار.

و للأسف كان قد أشار على المستنصر وزيره بأن يتوقف عن ذلك فالاسعار منضبطة و البلد في فترة رخاء.

هذا الى تدخل ام الخليفة في شئون الحكم و عدم استقرار الوزراء بشكل غير طبيعي.

حتى قيل أن الوزير يستبدل يوميا.

و بخلاف هذا كله، كانت مشاكل الجنود في تزايد مستمر.

حيث انفرد الجنود الاتراك بحكم القاهرة و ما حولها و ارسلوا البرابرة إلى بحري.

و بينما اتجه السودانيين من الجنود لصعيد مصر و هناك قاموا بالكثير من الفساد و الإفساد.

خاصة في مجال الري و الزراعة، فقد قاموا بردم و تخريب العديد من القنوات المائية هناك.

الشدة المستنصرية :

استمر الوضع في مصر في الانهيار تدريجيا إلى أن حصلت الطامة الكبرى.

اقرأ أيضا  معبد فيلة.. تراث حضارى يخلد أساطير الحب الصادق(أسطورة إيزيس و أسطورة أنس الوجود)

و بدأت الشدة المستنصرية بانخفاض شديد في منسوب مياه النيل و انحصارها.

و كانت البداية عام ٤٥٧ و الذي ظن الناس أنه اقترب المعاد و ان هذا هو آخر الزمان.

لما حدث في ذلك الوقت من جرائم و فظائع حتى ظنوا انهم أشر أهل الأرض الذين ستقوم في وقتهم الساعة.

و من المتوقع عند نشوب مثل تلك الأزمات أن تتدخل الدولة بشكل قوي لمنع الأزمة و الحد من تفاقمها.

لكن كيف لدولة مثل تلك التي كانت في ذلك الوقت ان تتصرف!

كان من الطبيعي أن يواجه الخليفة تلك المجاعة بما لديه من مخازن.

لكن كيف يكون هذا و المخازن خاوية بناء على مشورة الوزير؟

ذلك الوزير الذي حاول أن يتدارك خطأه بمصادرة ما لدى التجار لكن دون جدوى.

فقد كان الوضع قد تفاقم إلى حد لا رجعة فيه، الله وحده قادرا على أن يخرجهم من ذلك.

حتى الصفقة التي أبرمت مع ملك الروم وقتها لاستيراد غلاب من عنده باءت بالفشل لوفاة الملك.

كانت كل الظروف مهيئة لتعيش مصر أسوأ فتراتها على الإطلاق.

هذا و جدير بالذكر أن ننوه على أن الحسن بن الهيثم في زيارته لمصر قام بنصح الحاكم وقتها بضرورة عمل سد في جنوب البلاد.

لكن لم يكن الحاكم وقتها يتمتع بتلك البصيرة و لم يخطر على باله ابدا ما سيحدث.

و لكن تعلمت مصر في العصر الحديث و تم إنشاء السد العالي في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

كيف كانت الشدة المستنصرية :

فترة من تاريخ مصر لاسيما أن تسقط منه و تنسى.

قيل عنها انه حدث فيها من الفظائع ما لا يصدق.

حتى اكل الناس الجيفة و الميتة.

بل اصطاد الناس بعضهم بعضا.

اقرأ أيضا  معبد فيلة.. تراث حضارى يخلد أساطير الحب الصادق(أسطورة إيزيس و أسطورة أنس الوجود)

فقيل أن أهل الحي كانوا يطصيدون الغريب المار في حيهم ليأكلوه.

بل مثلا عندما ذهب احد الوزارء للتحقيق في واقعة ما، سرقت دابته و أكلت.

و بعد أن أعدم مرتكبي هذه الفعلة، صبحوا فوجدوا أن جثثهم المعلقة للترهيب قد أكلت.

حتى الخليفة نفسه لم يسلم منها، و قيل أنه باع رخام مقابر أسرته مقابل الاكل.

بل و كانت تتصدق عليه واحدة من بنات احد العلماء ليجد ما يأكله.

و هذه قصة أخرى لإمرأة باعت عقد بثمن بهظ جدا لتشترى به القمح.

و ما كان من الناس إلا أن سرقوها ليتبقى لها ما تعمل منه رغيفا واحدا.

و غير ذلك من القصص و الروايات التي تقشعر لها الأبدان.

انتهاء الشدة المستنصرية :

بعد أن الوصل الحال إلى منتهاه من الله عز وجل على مصر و المصريين بالفرج.

فبعد أن ضاق الحال بالخليفة المستنصر بالله لجأ إلى أحد القادة و كان يدعى بدر بن الله الجمالي.

اشترط الجمالي للتدخل أن يفرض الانضباط بقوة السلاح و وافق المستنصر على ذلك.

قام بالضرب على يد التجار و قبض على السوق بقبضة من حديد.

اهتم بإصلاح القنوات المائية و قنوات الري و من ثم بدأت الزراعة أن تذدهر من جديد.

و أقر قانونا بأن يصبح المحصول كاملا للفلاح لمدة ثلاث سنوات و يجبى في الرابعة.

و بعد سبع سنوات عجاف يأتي أمر الله بأن يفيض النيل برحمته و قدرته عز و جل.



و يعود النيل العظيم لما كان عليه من قبل و يجرى شريان الحياة يشق الأرض اليابسة الجافة و تعود مصر إلى ما كانت عليه كنانة الله في الأرض.

حفظ الله مصر و حفظ شعبها و كتب لها الخير في كل زمان بإذن الله.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *