طه حسين .. عميد الأدب العربي .. الأيام و أول سيرة ذاتية بالمعنى الصحيح



طه حسين الكاتب و الأديب المصري العالمي، لقبه العالم أجمع و ليس العالم العربي فقط بعميد الأدب العربي.

قصة كفاح طه حسين كتبها هو بنفسه في كتاب زاع صيته كثيرا و سماه الأيام، كان ذلك في عام 1929.

يحكي فيه عن طفولته و ما كان فيها من صعوبات خاصة و أنه فقد بصره و هو لم يكن قد تجاوز الرابعة من عمره.

و كيف أنه إلتحق بالأزهر الشريف منارة العلم و قبلة العلماء من شتى بقاع الأرض.

تتلمذ طه حسين بعد انتقاله للقاهرة على يد كبار الشيوخ أمثال محمد عبده، المراغي و المرصفي.

ثم سفره لفرنسا و حصوله على الدكتوراة من هناك و زواجه الذي تحاكت عنه الدنيا من الفرنسية سوزان و كيف كانت خير سند و معين.

كما تطرق لبعض خلافات الرأي مع غيره من الأدباء و المفكرين و التي أعطت حياته طابعا خاصا كما كان الأمر مع غيره أمثال توفيق الحكيم و عباس محمود العقاد.

و قد كانت له آراء جريئة بعض الشيء، خاصة في بعض الجوانب الدينية، فصارت الأمور للصورة في بعض الأوقات و ليس فقط مجرد خلاف في الرأي.

كما كان إتباعه المذهب الديكارتي في التفكير أثرا كبيرا في تلك الآراء و الأفكار التي أثارت الكثيرين ممن حوله.

و ذهب البعض لإعتباره واحدا من رواد حركة التنوير الثقافي و وصفها البعض على أنها إتهام له بمحاولة تغريب الفكر العربي الشرقي.

حديث الأربعاء، كان الجميع يستمعون للإذاعة في يوم الأربعاء من كل أسبوع لصوت طه حسين و هو يناقش العديد من القضايا الفكرية و الأدبية.

حياة طه حسين لم تكن حياة عادية ابدا بل حياة مليئة بالأحداث و مشحونة بالمواقف التي لطالما تريد أن تعرفها.



طه حسين و نشأة صعيدية بسيطة:

على الرغم من تلك النشأة البسيطة إلا أنه قد تبلورت من خلالها شخصية لن تجدها إلا في هذا الرجل؛ طه حسين دون غيره من الرجال.

اقرأ أيضا  مصطفى صادق الرافعي .. معجزة الأدب العربي

في قرية بسيطة ذات إمكانيات بسيطة وقتها تسمى مغاغة في محافظة المنيا عروس الصعيد ولد الكاتب الكبير طه حسين.

كان ذلك في النصف من نوفمبر عام 1889.

و الاسم بالكامل هو طه حسين علي سلامة، عمل والده موظفا بشركة السكر.

فقد طه حسين بصره و هو في الرابعة.

كان ذلك نتيجة للرعاية الصحية متدنية المستوى التي نالها بعد عرضه على حلاق صحة دون عرضه على طبيب متخصص.

و بالطبع لم يتم التعامل مع الرمد الذي أصابه بشكل صحيح بل استخدم معه وصفات شعبية ضرته و لم تنفعه، الأمر الذي أدى في النهاية لفقدانه بصره.

تتلمذ الشيخ الصغير على يد الشيخ محمد جاد الرب شيخ كتاب القرية.

ثم إلتحق بالأزهر الشريف في عام 1902 و من بعدها إلتحق بالجامعة في عام 1908.

طه حسين و القالب الأدبي و الفكري الجديد، ثورة على عادات الماضي:

و إستطاع في 1914 الحصول على الدكتوراة و التي كان موضوعها عن فلسفة أبي العلاء المعري.

تلك الفلسفة التي أثارت معركة حامية الوطيس بينه و بين العملاق عباس محمود العقاد.

و كان طه حسين هو أول مصري يحصل على الدكتوراة من الجامعات المصرية.

ثم غادر البلاد في نفس العام متجها لمونبيليه في فرنسا لإستكمال الدراسة و تنمية الفكر بشكل جديد.

و هناك بعد بداية إحتكاكه بالجامعات الفرنسية و طرق التدريس فيها بدأ يتمرد على الوضع القديم الذي رآه في مصر.

أخذ بعدها في إنتقاد الأزهر الشريف و طريقة التدريس فيه التي كان يصفها بالرتيبة.

مما دفع القائمون على الأمر في الأزهر لإلغاء المنحة الدراسية و عودته لمصر في 1915.

و بتدخل من السلطان حسين كامل تم العفو عنه و عاد لباريس لاستكمال المنحة.

ثم حصل على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة السوربون لرسالة بعنوان ” الفلسفة الإجتماعية عند ابن خلدون “.

كان طه حسين واسع الفكر نظرا لإلمامه بالكثير من الأمور الخاصة بالفكر، الأدب،التاريخ و الإجتماع.

اقرأ أيضا  مصطفى صادق الرافعي .. معجزة الأدب العربي

حتى التاريخ اليوناني و الروماني كان مولعا بمعرفة كل شيء عنهما.

و عند عودته لمصر في 1918 عين أستاذا للتاريخ اليوناني و الروماني بجامعة القاهرة.

حتى زواجه لم يكن زواجا تقليديا من مصرية؛ بل تزوج من الفرنسية سوزان بريسو.

لكنها ساعدته كثيرا في الوصول إلى ما وصل إليه؛ فهي كانت من يقرأ له الكتب ليل نهار و ينصت و يستمع لها.

كما كانت تأتي له بالكتب مكتوبة بطريقة برايل للمكفوفين لمساعدته؛ دفعه كل ذلك لأن يصبح متيما بها و أحبها حبا شديدا.

و أنجب منها طفليه أمينة و مؤنس.

بين الأدب و الوظيفة و التقدير:

كعادة جميع الأدباء و المفكرين الكبار لم يكن طه حسين من محبي العمل الحكومي الروتيني أو على الأقل من المتمسكين به.

فقد عين في 1928 عميدا لكلية الآداب و إستقال بعدها نزولا لرغبة و ضغط الوفديين (كان طه حسين من الأحرار الدستوريين).

ثم عاد للعمادة في 1930 و رفضها ثانية ردا على منح الجامعة الدكتوراة الفخرية لعدد من رجال السياسة أمثال علي ماهر باشا.

الامر الذي دفع مسئولي الجامعة على منحهم إياها من كلية الحقوق.

و أحيل للتقاعد بعدها في 1932 بعد أن كان قد نقل لوزارة المعارف بأمر من إسماعيل صدقي باشا.

عمل بعد التقاعد كرئيسا لتحرير مجلة كوكب الشرق مع حافظ عوض و إختلفا فيما بعد ليتجه بعدها لصحيفة الوادي عام 1934.

و مرة أخرى يعاد للعمل الحكومي كعميد للآداب في 1936.

ثم يختلف مع رئيس الوزراء آن ذاك محمد محمود و يقال بعدها و يعود للعمل الأكاديمي في 1942.

و تارة أخرى للعمل الإداري كمديرا لجامعة الاسكندرية و يحال للتقاعد مرة أخرى في 1944.

و يعين وزيرا للمعارف في الفترة من 1950 حتى 1952 بعد فترة كبيرة من المناداة بمجانية التعليم.

ثم رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية في 1959.

اقرأ أيضا  مصطفى صادق الرافعي .. معجزة الأدب العربي

كما عين أيضا رئيسا لمجمع اللغة العربية.

و بعد فترة كبيرة من الصراع بين العمل الأدبي و الوظيفي كانت فترة التكريم له.

ففي 1964 تم منحه الدكتوراة الفخرية من جامعة الجزائر و بعد ها بعام تم منحه مثيلتها من جامعة باليرمو الإيطالية.

كما حصل على قلادة النيل عام 65 و تم منحه أيضا الدكتوراة الفخرية من جامعة مدريد عام 1968.

الصراعات الفكرية في حياة طه حسين :

كان طه حسين يملك بعض الآراء الخاصة التي دفعت معاصريه لإنتقاده بشكل لازع.

في عام 1926 أصدر طه حسين كتابا بعنوان “في الشعر الجاهلي”.

إتهم فيه أن الشعر الجاهلي تمت كتابته بعد ظهور الإسلام و ألصق بشعراء الجاهلية.

دفع ذلك البعض لمقاضاته أمثال مصطفي صادق الرافعي و الخضري و لطفي جمعة.

قام بالتحقيق في تلك القضية محمد نور بك رئيس النيابة و كان القرار النهائي تبرئته لعدم ثبوت التهم المنسوبة إليه.

و كانت تلك التهم هي:

– الطعن في نسب النبي محمد صلى الله عليه و سلم.

– الطعن في القراآت السبع.

– أنكر أن الإسلام له الأولوية عند العرب.

– قال بعدم ثبوت حقيقة وجود رسول الله إبراهيم و نبيه إسماعيل.

و أوقف توزيع هذا الكتاب بعدها و كان قد قام بتغيير إلاسم إلى “في الأدب الجاهلي” و حذف منه ما أخذ عليه.

كما أنه كان له سابقة أخرى حينما ساند الرأي بجواز الإفطار في نهار رمضان و رد عليه الرافعي من خلال كتاب “تحت راية القرآن“.

و اتهمه عبدالحميد سعيد رئيس الحزب الوطني بالفجور داخل أروقة البرلمان.

و ساندته بعض القوى الأخرى مثل محمد حسنين هيكل و أحمد لطفي السيد.



حياة طه حسين لم تكن بالحياة الطبيعية بل كانت مثيرة للجدل في جميع مراحلها.

كانت وفاته في الثامن و العشرين من أكتوبر عام 1973.

كانت دائما شخصية طه حسين تستحق التمحيص و الدراسة.

رحم الله عميد الأدب العربي طه حسين.

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *