راسبوتين …… من هو؟

راسبوتين ، مجرد زكر اسمه، يثير الجدل، بل و تشعر بتلك الريح البارده التي تقترب منك رويدا رويدا…..

و لم لا؟ و هو المعروف في كتب التاريخ بشطحاته و نزواته؟

هل كل ما قيل عنه صحيحا؟

إن صح، فكان كفيلا بأن يكون أحد أيدي الشيطان في الأرض.

جريجوري يافيموفيتش راسبوتين ، انه ذلك المعالج الروحي الذي ذاع صيته في روسياروسيا قديما في عهد القيصر نيقولا الثاني و زوجته الإمبراطورة الكسندرا.

كان الرجل مصاحبا للخمر مقبلا عليه، اشتهر عنه هوسه بالممارسات الجنسية الفاضحة و من المؤكد ان ذلك كان سببا لتسميته الفاجر.

كان – بعد تمكنه – شديد البطش بأعداءه، كما كانت نهايته هي الأخرى نهاية شديدة البطش به.

نبذة عن راسبوتين

عرف عنه قبل ان يذاع صيته ولعه بالجياد و مهارته في ليس فقط ركوبها و ترويضها بل أيضا في سرقتها.

كما قيل عنه أيضا انه كان صاحب يدا سحرية يبرئ بها الجياد من أمراضها مهما عضلت و بلمسة واحدة.

عجيب أمر هذا الرجل…..!

كان للجياد دورا آخر في حياته، فبعد اتهامه بسرقة أحدهم فر هاربا.

لجأ إلى أحد الأديرة و استقر هناك مدة، و من يومها ألصقت به صفة الرهبانية، التي أعطته الكثير من الهيبه و القوة في آن واحد.

بدأ في ممارسة تجاربه الروحانية و التدرب عليها حتى امتهنها و ذاع ذلك في البلاد.

كما قيل عنه أيضا انه كان رجلا شحيح الاغتسال، ذو قيود حديدية، اشتهر بها و اشتهرت به.

امعانا في الغموض، انضم الفلاح السيبيري الى إحدى الطوائف المعروف عنها الممارسات المنحرفة ” طائفة خاليستي”.

لكن، كيف اقتحم الطبقة الارستقراطية؟

كانت تلك الطبقة بطبيعة أهلها في ذاك الزمان مولعة بأمور السحر و الشعوذة.

فكان الأمر سهلا ل راسبوتين الداهيه لأن يتغلغل في أعماق هؤلاء.

فقد كانت الأخبار قد انتشرت انتشار النار في الهشيم بين الناس عن ذلك الساحر الأسطوري الذي باستطاعته اشفاء المريض بلمسه.

كان لقاءه الاول بالقيصر نيقولا الثاني في عام ١٩٠٥ بعد تذكية اخد الكهنة له عند القيصر.

ثم كان تمام الاقتناع و الثقة من الإمبراطورة الكسندرا حينما استطاع الرجل مساعدة ابنها و وريث عرش زوجها ” أليكسيس نيكولافيتش”.

كان الابن مصابا بالهيموفيليا، و في إحدى نوباته كان راسبوتين من الحضور.

و الذي استطاع خلال دقائق معدودة ايقاف هذا النزيف.

حاول البعض تفسير ذلك انه ربما يكون قد أنامه مغناطيسيا، فقل ضغط الدم فوقف النزيف.

أيا كانت الكيفية، فكان الأهم هو النتيجة، ليس لولي العهد فقط بل لمداويه.

فكانت بداية الحظوه الكبرى لدى الإمبراطورة، التي قربته منها و جعلت منه مستشارها الأول بل مستشار القصر ككل.

السيطرة

هزم الجيش الروسي في وارسو،وارسو، تولي القيصر بعد ذلك قيادة الجيوش بنفسه.

فكان مرغما على تلك القصر للامبراطورة، التي آلت إليها أمور الحكم قاطبة في غياب القيصر.

و كأن الدنيا تفتح ذراعيها للراهب ليفعل بها ما يحلو له و قد فعل.

فكان تأثيره على الإمبراطورة في كل قراراتها واضحا فهو الآمر الناهي في كل شيء، داخليا كان أو خارجيا.

قوبل ذلك الأمر من قبل باقي أفراد الأسرة الحاكمة ” اسرة رومانوف” بإستهجان شديد حتى و ان كان غير معلنا.

لكنهم أسروا في انفسهم العداوة للرجل و كانو فقط في انتظار الفرصة المناسبة لاسقاطه او التخلص منه، ايهما اقرب.

أمر واحد فقط فشل فيه راسبوتين، و لكنه كان تبعيته شديدة على الجميع.

فشل الرجل في إثناء القيصر عن خوض الحرب.

كان يقول له دائما أنها ستكون النهاية.

لكن لم يسمع له القيصر، كانت الضغوط من حوله أكبر من أن ينصت لراهبه المفضل.

حقا حاول راسبوتبن اقناع الرجل الا يخوض غمار تلك الحرب تارة بالعقل و تارة بالترهيب و ادعاءه الرؤى التي تؤكد ان نهاية الأسرة كاملة ستكون هي تلك الحرب.

بالفعل كانت حرب البلقان هي النهاية.

الأعداء

كلما زادت سطوتك زاد أعداءك و المتربصين بك.

كان ذلك هو حال راسبوتين، حتى أن حلفاءه السابقين انقلبوا عليه.

فها هو الراهب ” ليودور” الذي طالما كان مناصرا إياه، الآن يكيد له.

كان ليودور متحمسا للحرب راغبا فيها، فلم يرق له رأي راسبوتين، فشن حملة قوية ضده في الكنيسة.

اتهمه بالزندقة و ممارسة الجنس الفاحش، بتأييد من الأسقف ” هيرموجين”.

حتى أنهما ذات يوم استدرجاه لبهو القصر و قاما بالاعتداء عليه للتخلص منه.

لكنه نجا من أيديهما، بل و وشى بهما للإمبراطورة التي لم تتهاون في حق فتاها المدلل و قامت بنفيهما.

و بتدبير آخر من ” ليودور” في منفاه ارسل اليه احدى العاهرات و طعنته في خاصرته.

اعتقلت ” شيونيا” و اتهمت بالجنون و أدخلت احدى المصحات العقلية.

فكيف لهم أن يصدقوا أن ذلك الرجل يمكن له أن يكون داعرا أو أنه اغتصب أحد الفتيات أمام أعين العاهرة؟

كيف يصدقونها و يكذبون القديس؟

و نجا راسبوتين من تلك الطعنات بعد جراحة دامت ما يقرب من الست ساعات، ليستكمل مشواره داخل القصر.

راسبوتين ، الاغتيال

واصل راسبوتين محاولاته مع القيصر دون طائل، في الوقت نفسه عزم أعداءه علي التخلص منه بشكل عاجل.

على رأس هؤلاء كان ” ديميتري” ابن عم القيصر و الأمير ” فيليكس”.

حرضا أحد اعضاء مجلس الدوما على مهاجمته على الدوام، و الذي بدوره شن حملة عنيفة ضده.

ثم كان الدهاء و المكيدة من الأمير فيليكس، من المعروف عنه جمال زوجته و حسنها و لباقتها.

كما كان من المعروف عن راسبوتين شغفه بالنساء و الجنس.

فاستدرجه لقصره بحجة رغبة الأميرة ” ايرينا” زوجته في التعرف عليه لما سمعت عنه أساطير و خيالات.

و ابتلع الثعلب الطعم، و كان من المقرر أن يتم تسميمه بسيانيد البوتاسيوم، الشديد السمية.

فأعدوا له وليمة ضخمة، لم يخلو فيها شرابا كان او طعاما من السم.

كان ذلك في حضور باقي المتآمرين، متخفين في القصر من أعلى.

الجميع في انتظار الموت المحقق، لكن لا شيء.

كيف بكل هذا الكم من السموم ألا يعمل؟

و يكأن الرجل محصنا من السموم!

حتى الساعة الثانية و النصف صباحا و الرجل لم تظهر عليه حتى آثار الثمالة لا السم!

هنا لم يطق الأمير الانتظار أكثر من ذلك.

ما فشل فيه السم ينجح فيه الرصاص.

فباغت القتيل بالرصاص، سقط هامدا على الأرض…….

مات أخيرا الرجل الخارق…….

ثم كانت المفاجأة……

لم يمت، فقد استطاع القيام ثانية، مترنحا نعم،،،، لكنه قام.

قام و استطاع أيضا ان يهاجمهم، لكنهم تداركوا الموقف بإشباعه بوابل من الرصاص، ليترنح الرجل ثانية و يخطو خطوات تملأهم خوفا.

مات!

لكن أخيرا سقط مغشيا عليه، مات الرجل أخيرا، مات وسط الثلوج خارج القصر، فقد استطاع الولوج من الباب خارجا، لكنه سقط في النهاية.

احتاروا في أمره، خاصة بعد أن رآهم أخد الضباط، لكنهم تعللوا له بأنها ليلة احتفال صاخبة يسقط فيها البعض من الثمالة و السكر.

لكنهم أجمعوا رأيهم على حمله و إلقاء جسده في النهر.

و قد كان، و تم العثور على جثته بعدها بأيام و أتى تقرير الطب الشرعي صادما.

فقد برأ الطبيب الشرعي السم و الرصاص من قتل الرجل، و كان الثلج و البرودة هما المتسببان في القتل.

راسبوتين ، الانتقام و النبوءة

لم تكتفي الإمبراطورة فقط بتأبين الراهب المقرب لها و الحزن عليه، لكنها أبت الا ان تصل للفاعلين.

و بعد الكثير من التحقيقات توصلت للمتأمرين، و كان عقوبتهم بين القتل و الحبس و النفي.

لكن بعد كل ذلك تحققت نبوءة الراهب و خسرت روسيا الحرب و كانت بداية زوال الإمبراطورية الروسية من الوجود.

فما هي الا عشرة اسابيع فقط لتقوم الثورة الروسية و يتم اعدام القيصر و كامل عائلته، لتسدل الستار عن قصة أشبه بالخيال.