البردة .. نهج البردة .. مدح النبي صلى الله عليه و سلم

كثير هم من مدحوا أشرف الخلق و المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم و كلها أعمال محمودة، لكن البردة و من ساروا على نحوها لهم مكانة خاصة بين الجميع.



اما عن قصيدة البردة فقد كتبها كعب بن زهير حينما أتى لرسول الله متخفيا ليسلم لوجه الله تعالى و كساه النبي صلى الله عليه و سلم بردته الشريفة.

و اشتراها بعد ذلك معاوية من أبناء كعب، و تناقلت بعد ذلك بين خلفاء بني أمية.

و قيل إنه تم حرقها حينما دمر المغول بلاد العرب و قيل بل هي محفوظة إلى الآن في اسطنبول.

قصيدة البردة – ” لامية” كعب بن زهير :

بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ
وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُُ

هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرَةً لا يُشْتَكى قِصَرٌ مِنها ولا طُولُ تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ كأنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ
شُجَّتْ بِذي شَبَمٍ مِنْ ماءِ مَعْنِيةٍ صافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهْومَشْمولُ
تَنْفِي الرِّياحُ القَذَى عَنْهُ وأفْرَطُهُ مِنْ صَوْبِ سارِيَةٍ بِيضٌ يَعالِيلُ
أكْرِمْ بِها خُلَّةً لوْ أنَّها صَدَقَتْ مَوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَ النُّصْحَ مَقْبولُ
لكِنَّها خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِها فَجْعٌ ووَلَعٌ وإِخْلافٌ وتَبْديلُ
فما تَدومُ عَلَى حالٍ تكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أثْوابِها الغُولُ

تابع قصيدة البردة لكعب بن زهير:

ولا تَمَسَّكُ بالعَهْدِ الذي زَعَمْتْ إلاَّ كَما يُمْسِكُ الماءَ الغَرابِيلُ
فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ إنَّ الأمانِيَّ والأحْلامَ تَضْليلُ

كانَتْ مَواعيدُ عُرْقوبٍ لَها مَثَلا وما مَواعِيدُها إلاَّ الأباطيلُ
أرْجو وآمُلُ أنْ تَدْنو مَوَدَّتُها وما إِخالُ لَدَيْنا مِنْكِ تَنْويلُ

أمْسَتْ سُعادُ بِأرْضٍ لايُبَلِّغُها إلاَّ العِتاقُ النَّجيباتُ المَراسِيلُ
ولَنْ يُبَلِّغَها إلاّغُذافِرَةٌ لها عَلَى الأيْنِ إرْقالٌ وتَبْغيلُ

مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهولُ تَرْمِي الغُيوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ إذا تَوَقَّدَتِ الحَزَّازُ والمِيلُ
ضَخْمٌ مُقَلَّدُها فَعْم مُقَيَّدُها في خَلْقِها عَنْ بَناتِ الفَحْلِ تَفْضيلُ
غَلْباءُ وَجْناءُ عَلْكوم مُذَكَّرْةٌ في دَفْها سَعَةٌ قُدَّامَها مِيلُ
وجِلْدُها مِنْ أُطومٍ لا يُؤَيِّسُهُ طَلْحٌ بضاحِيَةِ المَتْنَيْنِ مَهْزولُ
حَرْفٌ أخوها أبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وعَمُّها خالُها قَوْداءُ شْمِليلُ

تابع قصيدة البردة لكعب بن زهير:

يَمْشي القُرادُ عَليْها ثُمَّ يُزْلِقُهُ مِنْها لِبانٌ وأقْرابٌ زَهالِيلُ
عَيْرانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ مِرْفَقُها عَنْ بَناتِ الزُّورِ مَفْتولُ

كأنَّما فاتَ عَيْنَيْهاومَذْبَحَها مِنْ خَطْمِها ومِن الَّلحْيَيْنِ بِرْطيلُ
تَمُرُّ مِثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لَمْ تُخَوِّنْهُ الأحاليلُ

قَنْواءُ في حَرَّتَيْها لِلْبَصيرِ بِها عَتَقٌ مُبينٌ وفي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ تُخْدِي عَلَى يَسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ ذَوابِلٌ مَسُّهُنَّ الأرضَ تَحْليلُ

سُمْرُ العَجاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيماً لم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْمِ تَنْعيلُ

كأنَّ أَوْبَ ذِراعَيْها إذا عَرِقَتْ وقد تَلَفَّعَ بالكورِ العَساقيلُ
يَوْماً يَظَلُّ به الحِرْباءُ مُصْطَخِداً كأنَّ ضاحِيَهُ بالشَّمْسِ مَمْلولُ
وقالَ لِلْقوْمِ حادِيهِمْ وقدْ جَعَلَتْ وُرْقَ الجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَى قِيلُوا

شَدَّ النَّهارِ ذِراعا عَيْطَلٍ نَصِفٍ قامَتْ فَجاوَبَها نُكْدٌ مَثاكِيلُ
نَوَّاحَةٌ رِخْوَةُ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَها لَمَّا نَعَى بِكْرَها النَّاعونَ مَعْقولُ

تابع قصيدة البردة لكعب بن زهير:

تَفْرِي الُّلبانَ بِكَفَّيْها ومَدْرَعُها مُشَقَّقٌ عَنْ تَراقيها رَعابيلُ
تَسْعَى الوُشاةُ جَنابَيْها وقَوْلُهُمُ إنَّك يا ابْنَ أبي سُلْمَى لَمَقْتولُ
وقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنْتُ آمُلُهُ لا أُلْفيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغولُ
فَقُلْتُ خَلُّوا سَبيلِي لاَ أبا لَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَّحْمنُ مَفْعولُ

كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ يَوْماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ

أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني والعَفْوُ عَنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ
وقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ مُعْتَذِراً والعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَقْبولُ
مَهْلاً هَداكَ الذي أَعْطاكَ نافِلَةَ الْقُرْآنِ فيها مَواعيظٌ وتَفُصيلُ
لا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوالِ الوُشاة ولَمْ أُذْنِبْ وقَدْ كَثُرَتْ فِيَّ الأقاويلُ

لَقَدْ أقْومُ مَقاماً لو يَقومُ بِه أرَى وأَسْمَعُ ما لم يَسْمَعِ الفيلُ
لَظَلَّ يِرْعُدُ إلاَّ أنْ يكونَ لَهُ مِنَ الَّرسُولِ بِإِذْنِ اللهِ تَنْويلُ
حَتَّى وَضَعْتُ يَميني لا أُنازِعُهُ في كَفِّ ذِي نَغَماتٍ قِيلُهُ القِيلُ

لَذاكَ أَهْيَبُ عِنْدي إذْ أُكَلِّمُهُ وقيلَ إنَّكَ مَنْسوبٌ ومَسْئُولُ
مِنْ خادِرٍ مِنْ لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ مِنْ بَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غيلُ
يَغْدو فَيُلْحِمُ ضِرْغامَيْنِ عَيْشُهُما لَحْمٌ مَنَ القَوْمِ مَعْفورٌ خَراديلُ
إِذا يُساوِرُ قِرْناً لا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَتْرُكَ القِرْنَ إلاَّ وهَوَمَغْلُولُ
مِنْهُ تَظَلُّ سَباعُ الجَوِّضامِزَةً ولا تَمَشَّى بَوادِيهِ الأراجِيلُ

ولا يَزالُ بِواديهِ أخُو ثِقَةٍ مُطَرَّحَ البَزِّ والدَّرْسانِ مَأْكولُ
إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ




في فِتْيَةٍ مِنْ قُريْشٍ قالَ قائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أسْلَمُوا زُولُوا
زالُوا فمَا زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ عِنْدَ الِّلقاءِ ولا مِيلٌ مَعازيلُ
شُمُّ العَرانِينِ أبْطالٌ لُبوسُهُمْ مِنْ نَسْجِ دَأوُدَ في الهَيْجَا سَرابيلُ

بِيضٌ سَوَابِغُ قد شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ كأنَّها حَلَقُ القَفْعاءِ مَجْدولُ
يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابِيلُ

لا يَفْرَحونَ إذا نَالتْ رِماحُهُمُ قَوْماً ولَيْسوا مَجازِيعاً إذا نِيلُوا

لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحورِهِمُ وما لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ

قصيدة البردة للإمام البوصيري :

و هناك أيضا قصيدة البردة التي كتبها محمد بن سعيد بن حماد البوصيري، و هو واحد من أهم الشعراء الذين مدحوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

نص قصيدة البردة للإمام البوصيري ” ميمية البوصيري ” :

مولاي صلّ وسلّــم دائماً أبداً على حبيبك خيــــر الخلق كلهم

أمِنْ تَــذَكِّرِ جيرانٍ بــذي سَــلَم مَزَجْتَ دَمعــا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ

أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقــاءِ كــاظِمَةٍ وأومَضَ البرقُ في الظَّلمـاءِ مِن إضَمِ

فما لِعَينـيك إن قُلتَ اكْفُفَـا هَمَـتَا وما لقلبِكَ إن قلتَ اسـتَفِقْ يَهِــمِ

أيحَسـب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِــمٌ ما بينَ منسَــجِمٍ منه ومُضْـطَـرِمِ لولا الهوى لم تُرِقْ دمعاً على طَلِلِ ولا أَرِقْتَ لِــذِكْرِ البـانِ والعَلَـمِ

فكيفَ تُنْكِـرُ حبا بعدمـا شَــهِدَت به عليـك عُدولُ الدمـعِ والسَّـقَمِ

وأثبَتَ الـوَجْدُ خَـطَّي عَبْرَةٍ وضَـنَى مثلَ البَهَـارِ على خَدَّيـك والعَنَـمِ نَعَم

سـرى طيفُ مَن أهـوى فـأَرَّقَنِي والحُبُّ يعتَـرِضُ اللـذاتِ بالأَلَـمِ

يا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعـذرَةً مِنِّي إليـك ولَو أنْصَفْـتَ لَم تَلُـمِ

عَدَتْـــكَ حالي لا سِـرِّي بمُسْـتَتِرٍ عن الوُشـاةِ ولا دائي بمُنحَسِــمِ

مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَستُ أسمَعُهُ إنَّ المُحِبَّ عَنِ العُــذَّالِ في صَمَـمِ

تابع قصيدة البردة للإمام البوصيري :

إنِّي إتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّـيْبِ فِي عَذَلِي والشَّـيْبُ أبعَـدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ فـانَّ أمَّارَتِي بالسـوءِ مــا إتَّعَظَت مِن جهلِـهَا بنذير الشَّـيْبِ والهَـرَمِ

ولا أعَــدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى ضَيفٍ أَلَـمَّ برأسـي غيرَ مُحتشِـمِ

لـو كنتُ أعلـمُ أنِّي مــا أُوَقِّرُهُ كتمتُ سِـرَّا بَــدَا لي منه بالكَتَمِ

مَن لي بِرَدِّ جِمَــاح مِن غَوَايتِهَــا كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيــلِ بالُّلُـجُمِ

فـلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْـرَ شـهوَتهَا إنَّ الطعـامَ يُقوِّي شــهوةَ النَّهِمِ

والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِــمِ

فاصْرِف هواهــا وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ إنَّ الهوى مـا تَـوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ

وراعِهَـا وهْيَ في الأعمال سـائِمَةٌ وإنْ هِيَ إستَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِـمِ

كَـم حسَّــنَتْ لَـذَّةً للمرءِ قاتِلَةً مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَـمِ

واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَـــرٌّ مِنَ التُّـخَمِ

واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَـدِ إمْتَلأتْ مِن المَحَـارِمِ والْزَمْ حِميَـةَ َالنَّـدَمِ

وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا وإنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصحَ فاتَّهِـمِ

فلا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَا فأنت تعرفُ كيـدَ الخَصمِ والحَكَـمِ

تابع قصيدة البردة للإمام البوصيري :

أستغفر الله من قول بـلا عمل لقــد نسبت به نسلا لذي عقـم

أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ومـا إستقمت فما قولي لك إستقم

ولا تزودت قبل الموت نافــــلة ولم أُصل سوى فرض ولم أصم

وراوَدَتْـهُ الجبالُ الشُّـمُّ مِن ذَهَبٍ عن نفسِـه فـأراها أيَّمَـــا شَمَمِ

وأكَّــدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُــهُ إنَّ الضرورةَ لا تعـدُو على العِصَمِ

وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من عدم

محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْنِ والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ

نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ

هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ

دَعَـا إلى اللهِ فالمُستَمسِكُون بِهِ مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ

تابع قصيدة البردة للإمام البوصيري :

فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ ولم يُـدَانُوهُ في عِلـمٍ ولا كَـرَمِ

وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَـمِ


فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ ثم إصطفـاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَــمِ

مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ

دَع مـا ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِـمِ واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِـمِ

وانسُبْ إلى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ وانسُب إلى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ

فَــإنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ

لم يمتَحِنَّــا بمـا تَعيَــا العقولُ بـه حِرصَـاً علينـا فلم نرتَـبْ ولم نَهِمِ

تابع قصيدة البردة للإمام البوصيري :

أعيـى الورى فَهْمُ معنــاهُ فليسَ يُرَى في القُرْبِ والبُعـدِ فيه غـيرُ مُنفَحِمِ

كـالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُــعُدٍ صغيرةً وتُكِـلُّ الطَّـرْفَ مِن أَمَـمِ

وكيفَ يُــدرِكُ في الدنيــا حقيقَتَهُ قَــوْمٌ نِيَــامٌ تَسَلَّوا عنه بـالحُلُمِ فمَبْلَغُ العِــلمِ فيه أنــه بَشَــرٌ وأَنَّــهُ خيرُ خلْـقِ الله كُـــلِّهِمِ

أكــرِمْ بخَلْـقِ نبيٍّ زانَــهُ خُلُـقٌ بالحُسـنِ مشـتَمِلٌ بالبِشْـرِ مُتَّسِـمِ

أبــانَ مولِدُهُ عن طِيــبِ عنصُرِهِ يـا طِيبَ مُبتَـدَاٍ منه ومُختَتَـمِ يَــومٌ تَفَرَّسَ فيــه الفُرسُ أنَّهُـمُ

قَــد أُنـذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ وبـاتَ إيوَانُ كِسـرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ كَشَـملِ أصحابِ كِسـرَى غيرَ مُلتَئِمِ

والنارُ خـامِدَةُ الأنفـاسِ مِن أَسَـفٍ عليه والنهرُ سـاهي العَيْنِ مِن سَـدَمِ

وسـاءَ سـاوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَـا وَرُدَّ وارِدُهَـا بــالغَيْظِ حينَ ظَـمِي كــأَنَّ بالنـارِ ما بالمـاءِ مِن بَلَـلٍ حُزْنَـاً وبـالماءِ ما بـالنار مِن ضَـرَمِ

والجِنُّ تَهتِفُ والأنــوارُ ســاطِعَةٌ والحـقُّ يظهَـرُ مِن معنىً ومِن كَـلِمِ مِن بعـدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كــاهِنُهُم بــأنَّ دينَـهُـمُ المُعـوَجَّ لم يَقُـمِ

وبعـدما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُـهُبٍ مُنقَضَّةٍ وَفـقَ مـا في الأرضِ مِن صَنَمِ

حتى غَــدا عن طـريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ مِن الشـياطينِ يقفُو إثْــرَ مُنهَـزِمِ

كــأنَّهُم هَرَبَــا أبطــالُ أبْرَهَـةٍ أو عَسكَرٌ بـالحَصَى مِن راحَتَيْـهِ رُمِي نَبْذَا به بَعــدَ تسـبيحٍ بِبَـطنِهِمَــا نَبْـذَ المُسَبِّحِ مِن أحشــاءِ ملتَقِـمِ

جاءت لِــدَعوَتِهِ الأشـجارُ سـاجِدَةً تمشِـي إليه على سـاقٍ بــلا قَدَمِ

كــأنَّمَا سَـطَرَتْ سـطرا لِمَا كَتَبَتْ فُرُوعُهَـا مِن بـديعِ الخَطِّ في الَّلـقَمِ

مثلَ الغمــامَةِ أَنَّى سـارَ ســائِرَةً تَقِيـهِ حَرَّ وَطِيـسٍ للهَجِــيرِ حَمِي وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ

وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ

ظنُّوا الحمــامَ وظنُّوا العنكبوتَ على خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ

وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ

لا تُنكِـــرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَـاهُ إنَّ لَهُ قَلْبَاً إذا نــامَتِ العينـانِ لم يَنَـمِ

تابع قصيدة البردة للإمام البوصيري :

فذاك حينَ بُلُــوغٍ مِن نُبُوَّتِــــهِ فليسَ يُنـكَرُ فيهِ حـالُ مُحتَلِــمِ

تبــارَكَ اللهُ مــا وَحيٌ بمُكتَسَـبٍ ولا نــبيٌّ على غيــبٍ بمُتَّهَـمِ

كَــم أبْرَأَتْ وَصِبَـاً باللمسِ راحَتُهُ وأطلَقَتْ أَرِبَــاً مِن رِبــقَةِ اللمَمِ

وأَحْيت السَــنَةَ الشَّــهباءَ دَعوَتُهُ حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُـمِ

بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَـاحَ بهــا سَـيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَـيْلٌ مِنَ العَرِمِ

دَعنِي وَوَصفِيَ آيـــاتٍ له ظهَرَتْ ظهُورَ نـارِ القِرَى ليـلا على عَـلَمِ

آيــاتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَــةٌ قــديمَةٌ صِفَةُ الموصـوفِ بالقِـدَمِ

لم تَقتَرِن بزمـــانٍ وَهْيَ تُخبِرُنــا عَنِ المَعَـــادِ وعَن عـادٍ وعَن إرَمِ

دامَتْ لدينـا ففاقَتْ كُــلَّ مُعجِزَةٍ مِنَ النَّبيينَ إذ جــاءَتْ ولَم تَـدُمِ

ما حُورِبَت قَطُّ إلا عــادَ مِن حَرَبٍ أَعـدَى الأعـادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ

رَدَّتْ بلاغَتُهَــا دَعوى مُعارِضِهَـا رَدَّ الغَيُورِ يَـدَ الجــانِي عَن الحُرَمِ

لها مَعَــانٍ كَموْجِ البحرِ في مَـدَدٍ وفَـوقَ جَوهَرِهِ في الحُسـنِ والقِيَمِ

فَمَـا تُـعَدُّ ولا تُحـصَى عجائِبُهَـا ولا تُسَـامُ على الإكثــارِ بالسَّأَمِ

ومَن تَـكُن برسـولِ اللهِ نُصرَتُـهُ إن تَلْقَهُ الأُسْـدُ في آجــامِهَا تَجِمِ

أَحَــلَّ أُمَّتَـهُ في حِـرْزِ مِلَّتِــهِ كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشـبالِ فِي أَجَمِ

كَـم جَدَّلَتْ كَـلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ فيه وكـم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ

كفــاكَ بـالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً في الجاهـليةِ والتــأديبَ في اليُتُمِ

خَدَمْتُهُ بمديــحٍ أســتَقِيلِ بِـهِ ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ

إذ قَـلَّدَانِيَ ما تُخشَـى عـواقِبُـهُ كــأنني بِهِــمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ

إنْ آتِ ذَنْبَـاً فمــا عَهدِي بمُنتَقِضٍ مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبـلِي بمُنصَـــرِمِ

فـــإنَّ لي ذِمَّةً منــه بتَسـمِيَتِي مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بــالذِّمَمِ

يا رَبِّ بالمصطفى بلغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي:

اما في العصر الحديث فقد كتب أمير الشعراء قصيدة أخرى على غرار سابقتيها من أجمل ما قيل أيضا في مدح النبي عليه الصلاة و السلام، و هذا نصها:

ريم على القاع بين البان والعلم أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم

لمّا رنا حدّثتني النفس قائلةً يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي جحدتها وكتمت السهم

في كبدي جرح الأحبّة عندي غير ذي ألم رزقت أسمح ما في الناس من خلق إذا رزقت التماس العذر في الشيم

يا لائمي في هواه والهوى قدر لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلم

لقد أنلتك أذناً غير واعية وربّ منتصت والقلب في صمم يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى أبداً أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم

أفديك إلفاً ولا آلو الخيال فدىً أغراك بالبخل من أغراه بالكرم سرى فصادف جرحاً دامياً فأسا وربّ فضل على العشّاق للحلم

من الموائس باناً بالربى وقناً اللاعبات بروحي السافحات دمي السافرات كأمثال البدور ضحىً يغرن شمس الضحى بالحلي والعصم

القاتلات بأجفان بها سقم وللمنيّة أسباب من السقم العاثرات بألباب الرجال وما أقلن من عثرات الدلّ في الرسم

المضرمات خدوداً أسفرت وجلت عن فتنة تسلم الأكباد للضرم

الحاملات لواء الحسن مختلفاً أشكاله وهو فرد غير منقسم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

من كلّ بيضاء أو سمراء زيّنتا للعين والحسن في الآرام كالعصم

يرعن للبصر السامي ومن عجب إذا أشرن أسرن الليث بالغنم

وضعت خدّي وقسّمت الفؤاد ربيً يرتعن في كنس منه وفي أكم

يا بنت ذي اللبد المحمّى جانبه ألقاك في الغاب أم ألقاك في الأطم

ما كنت أعلم حتّى عنّ مسكنه أنّ المنى والمنايا مضرب الخيم

من أنبت الغصن من صمصامة ذكر وأخرج الريم من ضرغامة قرم

بيني وبينك من سمر القنا حجب ومثلها عفّة عذريّة العصم

لم أغش مغناك إلّا في غضون كرىً مغناك أبعد للمشتاق من إرم

يا نفس دنياك تخفى كلّ مبكية وإن بدا لك منها حسن مبتسم

فضّي بتقواك فاهاً كلّما ضحكت كما يفضّ أذى الرقشاء بالثرم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

مخطوبة منذ كان الناس خاطبة من أوّل الدهر لم ترمل ولم تئم

يفنى الزمان ويبقى من إساءتها جرح بآدم يبكي منه في الأدم

لا تحفلي بجناها أو جنايتها الموت بالزهر مثل الموت بالفحم

كم نائم لا يراها وهي ساهرة لولا الأمانيّ والأحلام لم ينم طوراً تمدّك في نعمى وعافية وتارةً في قرار البؤس والوصم

كم ضلّلتك ومن تحجب بصيرته إن يلق صابا يرد أو علقماً يسم

يا ويلتاه لنفسي راعها ودها مسودّة الصحف في مبيضّة اللمم

ركضتها في مريع المعصيات وما أخذت من حمية الطاعات للتخم

هامت على أثر اللذّات تطلبها والنفس إن يدعها داعي الصبا تهم

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم والنفس من خيرها في خير عافية والنفس من شرّها في مرتع وخم

تطغى إذا مكّنت من لذّة وهوىً طغي الجياد إذا عضّت على الشكم

إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أمل في الله يجعلني في خير معتصم

ألقى رجائي إذا عزّ المجير على مفرّج الكرب في الدارين والغمم

إذا خفضت جناح الذلّ أسأله عزّ الشفاعة لم أسأل سوى أمم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

وإن تقدّم ذو تقوى بصالحة قدّمت بين يديه عبرة الندم لزمت باب أمير الأنبياء ومن يمسك بمفتاح باب الله يغتنم

فكلّ فضل وإحسان وعارفة ما بين مستلم منه وملتزم علّقت من مدحه حبلاً أعزّ به في يوم لا عزّ بالأنساب واللحم

يزري قريضي زهيراً حين أمدحه ولا يقاس إلى جودي لدى هرم

محمّد صفوة الباري ورحمته وبغية الله من خلق ومن نسم


وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة متى الورود وجبريل الأمين ظمي سناؤه وسناه الشمس طالعةً فالجرمفي فلك والضوء في علم

قد أخطأ النجم ما نالت أبوّته من سؤدد باذخ في مظهر سنم

نموا إليه فزادوا في الورى شرفاً وربّ أصل لفرع في الفخار نمي حواه في سبحات الطهر قبلهم نوران قاما مقام الصلب والرحم

لمّا رآه بحيرا قال نعرفه بما حفظنا من الأسماء والسيم

سائل حراء وروح القدس هل علما مصون سرّ عن الإدراك منكتم

كم جيئة وذهاب شرّفت بهما بطحاء مكّة في الإصباح والغسم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

ووحشة لابن عبد الله بينهما أشهى من الأنس بالأحساب والحشم

يسامر الوحي فيها قبل مهبطه ومن يبشّر بسيمى الخير يتّسم

لمّا دعا الصحب يستسقون من ظمإ فاضت يداه من التسنيم بالسنم

وظلّلته فصارت تستظلّ به غمامة جذبتها خيرة الديم

محبّة لرسول الله أشربها قعائد الدير والرهبان في القمم

إنّ الشمائل إن رقّت يكاد بها يغرى الماد ويغرى كلّ ذي نسم

ونودي اقرأ تعالى الله قائلها لم تتّصل قبل من قيلت له بفم هناك أذّن للرحمن فامتلأت أسماع مكّة من قدسيّة النغم

فلا تسل عن قريش كيف حيرتها وكيف نفرتها في السهل والعلم

تساءلواعن عظيم قد ألمّ بهم رمى المشايخ والولدان باللمم

ياجاهلين على الهادي ودعوته هل تجهلون مكان الصادق العلم

لقّبتموه أمين القوم في صغر وما الأمين على قول بمتّهم

فاق البدور وفاق الأنبياء فكم بالخلق والخلق من حسن ومن عظم

جاء النبيّون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم

آياته كلّما طال المدى جدد يزينهنّ جلال العتق والقدم

يكاد في لفظة منه مشرّفة يوصيك بالحقّ والتقوى وبالرحم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

يا أفصح الناطقين الضاد قاطبةً حديثك الشهد عند الذائق الفهم

حلّيت من عطل جيد البيان به في كلّ منتثر في حسن منتظم بكلّ قول كريم أنت قائله تحي القلوب وتحي ميّت الهمم

سرت بشائر بالهادي ومولده في الشرق والغرب مسرىالنور في الظلم

تخطّفت مهج الطاغين من عرب وطيّرت أنفس الباغين من عجم

ريعت لها شرف الإيوان فانصدعت من صدمة الحقّ لا من صدمةالقدم

أتيت والناس فوضى لا تمرّ بهم إلّا على صنم قد هام في صنم

والأرض مملوءة جوراً مسخّرة لكلّ طاغية في الخلق محتكم

مسيطرالفرس يبغي في رعيّته وقيصرالروم من كبرأصمّ

عم يعذّبان عباد الله في شبه ويذبحان كما ضحّيت بالغنم

والخلق يفتك أقواهم بأضعفهم كالليث بالبهم أو كالحوت بالبلم

أسترى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجدالأقصى على قدم

لمّا خطرت به التفّوا بسيّدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم

صلّى وراءك منهم كلّ ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم

جبت السماوات أو ما فوقهنّ بهم على منوّرة درّيّة اللجم

ركوبةً لك من عزّ ومن شرف لا في الجياد ولا في الأينق الرسم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشكّ والتهم

حتّى بلغت سماءً لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم

وقيل كلّ نبيّ عند رتبته ويا محمّد هذا العرش فاستلم خططت للدين والدنيا علومهما يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم

أحطت بينهما بالسرّ وانكشفت لك الخزائن من علم ومن حكم

وضاعف القرب ما قلّدت من منن بلا عداد وما طوّقت من نعم

سل عصبة الشرك حول الغار سائمةً لولا مطاردة المختار لم تسم

هل أبصروا الأثرالوضّاء أم سمعوا همس التسابيح والقرآن من أمم

وهل تمثّل نسج العنكبوت لهم كالغاب والحائمات والزغب كالرخم

فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم كباطل من جلال الحقّ منهزم

لولا يد الله بالجارين ما سلما وعينه حول ركن الدين لم يقم

تواريا بجناح الله واستترا ومن يضمّ جناح الله لا يضم

يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي وكيف لا يتسامى بالرسول سمي المادحون وأرباب الهوى تبع لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم

مديحه فيك حبّ خالص وهوىً وصادق الحبّ يملي صادق الكلم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

الله يشهد أنّي لا أعارضه من ذا يعارض صوب العارض العرم

وإنّما أنا بعض الغابطين ومن يغبط وليّك لا يذمم ولا يلم

هذا مقام من الرحمن مقتبس ترمي مهابته سحبان بالبكم

البدر دونك في حسن وفي شرف والبحر دونك في خير وفي كرم

شمّ الجبال إذا طاولتها انخفضت والأنجم الزهر ما واسمتها تسم

والليث دونك بأساً عند وثبته إذا مشيت إلى شاكي السلاح كمي تهفو إليك وإن أدميت حبّتها في الحرب أفئدة الأبطال والبهم

محبّة الله ألقاها وهيبته على ابن آمنة في كلّ مصطدم

كأنّ وجهك تحت النقع بدر دجىً يضيء ملتثماً أو غير ملتثم

بدر تطلّع في بدر فغرّته كغرّة النصر تجلو داجي الظلم

ذكرت باليتم في القرآن تكرمةً وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

الله قسّم بين الناس رزقهم وأنت خيّرت في الأرزاق والقسم

إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخيرة الله في لا منك أو نعم

أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الزمم والجهل موت فإن أوتيت معجزةً فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم

قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا لقتل نفس ولاجاؤوا لسفك دم جهل وتضليل أحلام وسفسطة فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم

لمّا أتى لك عفواً كلّ ذي حسب تكفّل السيف بالجهّال والعمم

والشرّ إن تلقه بالخير ضقت به ذرعاً وإن تلقه بالشرّ ينحسم

سل المسيحيّة الغرّاء كم شربت بالصاب من شهوات الظالم الغلم

طريدة الشرك يؤذيها ويوسعها في كلّ حين قتالاً ساطع الحدم

لولا حماة لها هبّوا لنصرتها بالسيف ما انتفعت بالرفق والرحم

لولا مكان لعيسى عند مرسله وحرمة وجبت للروح في القدم

لسمّر البدن الطهر الشريف على لوحين لم يخش مؤذيه ولم يجم

جلّ المسيح وذاق الصلب شانئه إنّ العقاب بقدر الذنب والجرم

أخو النبيّ وروح الله في نتزل فوق السماء ودون العرش محتترم

علّمتهم كلّ شيء يجهلون به حتّى القتال وما فيه من الذمم

دعوتهم لجهاد فيه سؤددهم والحرب أسّ نظام الكتتتون والأمم

لولاه لم نر للدولات في زمن ما طال من عمد أو قرّ من دهم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

تلك الشواهد تترى كلّ آونة في الأعصر الغرّ لا في الأعصر الدهم

بالأمس مالت عروش واعتلت سرر لولا القذائف لم تثلم ولم تصم

أشياع عيسى أعدّوا كلّ قاصمة ولم نعدّ سوى حالات منقصم

مهما دعيت إلى الهيجاء قمت لها ترمي بأسد ويرمي الله بالرجم

على لوائك منهم كلّ منتقم للّه مستقتل في الله معتزم مسبّح للقاء الله مضطرم

شوقاً على سابخ كالبرق مضطرم

لوصادف الدهر يبغي نقلةً فرمى بعزمه في رحال الدهر لم يرم بيض مفاليل من فعل الحروب بهم من أسيف الله لا الهنديّة الخذم

كم في التراب إذا فتّشت عن رجل من مات بالعهد أو من مات بالقسم

لولا مواهب في بعض الأنام لما تفاوت الناس في الأقدار والقيم

شريعة لك فجّرت العقول بها عن زاخر بصنوف العلم ملتطم

يلوح حول سنا التوحيد جوهرها كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم

غرّاء حامت عليها أنفس ونهىً ومن يجد سلسلاً من حكمة يحم

نور السبيل يساس العالمون بها تكفّلت بشباب الدهر والهرم

يجري الزمان وأحكام الزمان على حكم لها نافذ في الخلق مرتسم

لمّا اعتلت دولة الإسلام واتّسعت مشت ممالكه في نورها التمم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

وعلّمت أمّةً بالقفر نازلةً رعي القياصر بعد الشاء والنعم

كم شيّد المصلحون العاملون بها في الشرق والغرب ملكاً باذخ العظم للعلم

والعدل والتمدين ما عزموا من الأمور وما شدّوا من الحزم

سرعان ما فتحوا الدنيا لملّتهم وأنهلوا الناس من سلسالها الشبم

ساروا عليها هداة الناس فهي بهم إلى الفلاح طريق واضح العظم

لا يهدم الدهر ركناً شاد عدلهم وحائط البغي إن تلمسه ينهدم

نالوا السعادة في الدارين واجتمعوا على عميم من الرضوان مقتسم

دع عنك روما وآثينا وما حوتا كلّ اليواقيت في بغداد والتوم

وخلّ كسرى وإيواناً يدلّ به هوىً على أثر النيران والأيم واترك رعمسيس إنّ الملك مظهره في نهضة العدل لا في نهضة الهرم

دار الشرائع روما كلّما ذكرت دار السلام لها ألقت يد السلم

ما ضارعتها بياناً عند ملتأم ولا حكتها قضاءً عند مختصم

ولا احتوت في طراز من قياصرها على رشيد ومأمون ومعتصم

من الّذين إذا سارت كتائبهم تصرّفوا بحدود الأرض والتخم

ويجلسون إلى علم ومعرفة فلا يدانون في عقل ولا فهم

يطأطئ العلماء الهام إن نبسوا من هيبة العلم لا من هيبة الحكم

ويمطرون فما بالأرض من محل ولا بمن بات فوق الأرض من عدم

خلائف الله جلّوا عن موازنة فلا تقيسنّ أملاك الورى بهم

من في البريّة كالفاروق معدلةً وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم

وكالإمام إذا ما فضّ مزدحماً بمدمع في مآقي القوم مزدحم

الزاخر العذب في علم وفي أدب والناصرالندب في حرب وفي سلم

أو كابن عفّان والقرآن في يده يحنوعليه كما تحنو على الفطم

ويجمع الآي ترتيباً وينظمها عقداً بجيد الليالي غير منفصم

جرحان في كبد الإسلام ما التأما جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي وما بلاء أبي بكر بمتّهم

بعد الجلائل في الأفعال والخدم بالحزم والعزم

حاط الدين في محن أضلّت الحلم من كهل ومحتلم

وحدن بالراشد الفاروق عن رشد في الموت وهو يقين غير منبهم

يجادل القوم مستلّاً مهنّده في أعظم الرسل قدراً كيف لم يدم

تابع نهج البردة لأمير الشعراء :

لا تعذلوه إذا طاف الذهول به مات الحبيب فضلّ الصبّ عن رغم

يا ربّ صلّ وسلّم ما أردت على نزيل عرشك خير الرسل كلّهم

محي الليالي صلاةً لا يقطّعها إلا بدمع من الإشفاق منسجم

مسبّحاً لك جنح الليل محتملاً ضرّاً من السهد أو ضرّاً من الورم

رضيّة نفسه لا تشتكي سأماً وما مع الحبّ إن أخلصت من سأم

وصلّ ربّي على آل له نخب جعلت فيهم لواء البيت والحرم

بيض الوجوه ووجه الدهر ذو حلك شمّ الأنوف وأنف الحادثات حمى وأهد خير صلاة منك أربعةً في الصحب صحبتهم مرعيّة الحرم

الراكبين إذا نادى النبيّ بهم ما هال من جلل واشتدّ من عمم

الصابرين ونفس الأرض واجفة الضاحكين إلى الأخطار والقحم

ياربّ هبّت شعوب من منيّتها واستيقظت أمم من رقدة العدم

سعد ونحس وملك أنت مالكه تديل من نعم فيه ومن نقم

رأى قضاؤك فينا رأي حكمته أكرم بوجهك من قاض ومنتقم

فالطف لأجل رسول العالمين بنا ولا تزد قومه خسفاً ولا تسم

يا ربّ أحسنت بدء المسلمين به فتمّم الفضل وامنح حسن مختتم



و في الختام :

اللهم صلي و سلم و بارك على محمد و آله و صحبه أجمعين.

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *