الحلاج .. بين الاتفاق و الاختلاف.

الحلاج .. هو أبو عبدالله حسين بن منصور المولود في مدينة البيضاء بالعراق، و الحلاج هذا هو اللقب.



ولد الحلاج عام ٨٥٨ ميلادية و الموافق ٢٤٤ هجرية.

و قيل بل هو ينسب لفارس و ليس العراق، لكن على الأرجح هو عراقي الأصل.

و  نشأ في مدينة واسط الواقعة في الاتجاه الجنوبي من مدينة بغداد العراقية.

و حينما بلغ الثامنة عشر من العمر قدم إلى بغداد نفسها بعد أن قضى فترة في البصرة العراقية.

كان الاختلاف في حق الحلاج شديدا بين مؤيد لفلسفته و معارضا لها.

منهم من قال عنه زنديقا أو كافرا و منهم من قال لا بل متصوفا مقبولا تصوفه.

و كان الرجل قد ذهب إلى مكة و هناك كانت بدايته ورعة تقية أظهر فيها الكثير من الجلد في العبادة.

بين الصيام عن الأكل و الشرب و التعرض للشمس الحارة و البرد الشديد و غيره مما فيه الشبه مع متصوفة الزرادشتيين.

و كان مما فيه أمرا غريبا و هو أنه كان لا يستقر على حال أمام الناس.

تارة يظهر بملابس ممزقة يرثى لها الحال و تارة أخرى بملابس أنيقة يظهر عليها الثراء.

و قيل هذا من انواع التلون اي انه كان يريد أن يجاري كل فئة كما هي ليحشد أكبر عدد من الاتباع.

و بالفعل نظرا لطوافه العديد من المدن و البلدان الكبيرة فقد استطاع أن يكون له الاتباع في كل مكان، بغداد، البصرة، خراسان و الهند أيضا.

و وصل أن اتهمه البعض بأنه يستخدم السحر و يسخر الجن و الشياطين لخدمته.

عن فكر الحلاج :

من أقوال الحلاج :

“النقطة أصل كل خط، والخط كلّه نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط.

وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكلّ ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين.

وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين.

ومن هذا قلت: ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه. ”

و هي جملة تحمل في طياتها الكثير من الفلسفة و العمق.

كما كان من المعروف عنه أنه أقرن بين التصوف و الجهاد.

اختلاف و اتفاق الرأي في الحلاج :



– قال الإمام أبو الحسن الشاذلي عن الحلاج :

اقرأ أيضا  مقام ابراهيم .. أين يقع مقام ابراهيم ؟ روايات عن مقام ابراهيم .. فضائل مقام ابراهيم ..

” أكره من العلماء تكفير الحلاج، ومن فهم مقاصده فهم مقصدي.”

– و قال عنه الشيخ عبدالقادر الجيلاني :

” عثر الحلاج ولم يكن في زمانه من يأخذ بيده، ولو أدركته لأخذت بيده.”

– و قال عنه أيضا الخطيب البغدادي :

” الصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وأبى أن يعده فيهم.

قبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصراباذي النيسابوري وصححوا له حاله ودونوا كلامه. ”

– قال عنه ابن خفيف : ” الحسين بن منصور عالم رباني . ”

و وصل أن عمرو بن عثمان قال فيه :

” لو قدرت عليه لقتلته بيدي. ”

– اما عن رأي شيخنا ابن تيمية فقال فيه :

” مَنِ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنَ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أنا الله. وَقَوْلِهِ : إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الْأَرْضِ.

وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًاً مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَ الْحَلاجَ بِخَيْرِ لا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلا مِنْ الْمَشَأيِخِ ; وَلَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقِفُ فِيهِ; لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَهُ. ”

– و كان رأي الإمام بن كثير عنه:

” لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره.

فأما الفقهاء فحكي عن غير واحد من الأئمة إجماعهم على قتله وأنه كان كافرا ممخرقا مموها مشعبذا، وكذلك قول أكثر الصوفية منهم.

ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه.

وقد كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك، ولكن لم يكن له علم يسلك به في عبادته، فدخل عليه الداخل بسبب ذلك. ”

روايات عن الحلاج :

هناك العديد من الروايات التي تواترت بين الناس عن الحلاج، لكن بالطبع لا نعرف مدى صحتها.

منها مثلا أن روي عن أحدهم انه وصل لبيت الحلاج، فسأله الأخير عما يشتهي من طعام، فأجابه بالسمك.

فتركه الحلاج و دخل منزله و أتاه بعد ساعة و اثر طين على قدميه و معه سمكة مازالت تتحرك.

فقال له إن شئت تدخلني بيتك لأرى فيما فعلت هذا، و دخل الرجل بيته و إذا بإحدى الغرف توصله بحسب ما يصف إلى بستان كبير.

اقرأ أيضا  قصة أصحاب الأخدود

هذا البستان فيه من الأطعمة ما تشتهيه الأنفس و به بركة و فعل الرجل مثلما فعل الحلاج و اتى بسمكة أخرى.

و أخبره الحلاج بعد ذلك بألا يخبر أحدا و هو على يقين من انه سيحكيها.

و روي عنه أيضا انه لما أتى الاهواز و واصل ما يفعل من خدع و حيل و يخرج من الأموال ما يخرج.

و لما سئل أحد الشيوخ هناك عن هذا، أخبرهم بأن لو وضع في بيت بلا منافذ ما استطاع فعل ما يفعل.

لما وصل للحلاج ذلك تركها على الفور.

و رواية أخرى لما طلب الحلاج من أحدهم أن يؤمن به.

ذلك إذا ما أتاه بعصفورة ياخذ من ذرقها وزن حبة و ما يعادلها من نحاس و يحيله له ذهبا.

و باغته الرجل بأن طلب منه أن يؤمن به.

ثم سيأتي له بفيل وصفه كذا و كذا و قال عنه ما قال، فانسحب الحلاج من المقارنة.

من حيل الحلاج:

و من الحيل التي قام بها الحلاج أيضا، أن أتى برجل من اتباعه و أرسله إلى إحدى القرى في الجبل.

و طلب منه أن يظهر التعبد و الصلاح هناك و فعل الرجل و بعد أن عرف الرجل في القرية تظاهر بالعمى.

ساعده الناس بسحبه للمسجد ،تمادى الرجل بأن تظاهر بالمرض و عدم القدرة على الحركة.

فقام الناس بحمله جيئة و ذهابا.

و كان على اتفاق مع الحلاج بأن يخبر أهل القرية انه رأى الرسول في المنام و أخبره انه سيأتي رجل صالح للقرية و يشفى على يديه.

و كان الرجل هو الحلاج بالطبع، و بالفعل أتى الحلاج للقرية و تظاهر أمام أهلها بالورع و التقوى.

فاخبر الناس الرجل أنه قد أتى الرجل الصالح للقرية فذهب له و عرفه و تظاهر بالشفاء.

و صدق الناس بركة الحلاج و صارت له مكانة عندهم و كرامات.

قتل الحلاج :

كان ذلك في عصر الخليفة العباسي المقتدر بالله، بعد أن ذاع صيت الحلاج في البلاد.

و قبض عليه الوزير علي بن عيسى، و أنكر الحلاج ما نسب إليه من ادعاء النبوة و الربوبية، و ما اتهم به من ذندقة و فجور.

فلما كان كنه ذلك تم صلبه و يأتوه يوميا يسئلوه و ينكر و ظل في حبسه سنين و ينقل من محبس لآخر.

اقرأ أيضا  الملتزم .. من بناء الكعبة المشرفة .. فما هو ؟ أين يقع ؟

بل و قد حاول أثناء وجوده في السجن استغواء مجموعة من غلمان الخليفة و استمالتهم لصفه.

و بدأ الناس يتذمرون مما يسمعوه عن ذلك الرجل و تحدثوا في ضرورة قتله.

و أمر الخليفة بتسليمه لحامد بن عباس، الذي جمعه بأصحابه أمام القاضي و حكم عليه.

ضرب ألفا بالسوط و قطعت أطرافه و ضربت عنقه ثم تم حرقه.

و علقت رأسه و أطرافه أمام الناس، اما مرقده فهو موجود إلى الآن في الكرخ ببغداد في العراق.

من أشعار الحلاج :

١)

و الله ما طلعت شمس و لا غربت إلا و حبك مقرون بأنفاسي

و لا جلست إلى قوم أحدثهم إلا و أنت حديثي بين جلاسي

و لا ذكرتك محزونا ولا فرحا إلا و أنت بقلبي بين وسواسي

و لا هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالا منك في الكاسِ

و لو قدرت على الإتيان جئتكم سعيا على الوجه أو مشيا على الراسِ

و يا فتى الحي إن غنيت لي طربا فغنني واسفا من قلبك القاسي

ما لي و للناس كم يلحونني سفها ديني لنفسي و دين الناس للناسِ

٢)

لبّيكَ لبّيكَ يا سرّي و نجوائـــي        لبّيك لبّيك يا قصدي و معنائـي

أدعوك بلْ أنت تدعوني إليك فهـلْ    ناديتُ إيّاك أم ناجيتَ إيّائـــي

يا عين عين وجودي يا مدى هممي   يا منطقي و عباراتي و إيمائـي

يا من به عُلقَتْ روحي فقد تلفت     وجدا فصرتَ رهينا تحت أهوائي

أبكي على شجني من فرقتي وطني   طوعاً و يسعدني بالنوح أعدائـي

أدنو فيبعدني خوف فيقلقنــي  شوق تمكّن في مكنون أحشائـي

فكيف أصنع في حبّ كَلِفْتُ به        مولاي قد ملّ من سقمي أطبّائـي

قالوا تداوَ به منه فقلت لهـم    يا قوم هل يتداوى الداء بالداءِ؟!.

٣)

لـــعَيْـنُ تُبـْـصِرُ مَن تَهْوَى وتَفقده   ونَاظِرُ القَلْبِ لا يَخْلُو مِـــن الـنَظَر
إن كَانَ لَيْسَ مَعْى فَالذِكرُ مِنهُ مَعْي   يَرَاهُ قَلْبِى وإنّ غَابَ عَنْ بَصَرِي
ُالوَجْدُ يُطربُ مَن فِي الوَجْدِ رَاحتٌه   الوَجْدُ عِنْدَ وُجُودِ الحَقِّ مَفَقُود
قَدْ كَانَ يُوحِشُني وَجدْي ويُؤنِسُني  لرؤيةِ وَجْدِ مَن فِي الوَجْدِ موجود




– وصفه محبيه بكونه عاشقا قتلته كلمته و قال خصومه بل ذنديقا كافرا، اي الرأيين أصح؟

الله اعلم.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *