باب زويلة … أو بوابة المتولي .. حيث انتهي التتار و المماليك….
باب زويلة …..
نحن الآن نقف على أعتاب احد بوابات التاريخ، التاريخ المصري.
مصر هي التاريخ ، لا، بل جاءت مصر و من ثم جاء التاريخ.
باب زويلة هو أحد المعالم التاريخية لمصر القديمة، يشهد الباب على تاريخ حافل مر أمام عينيه منذ أن تم انشاءه.
و بالطبع هو مسجل لدى وزارة الآثار كواحد من الآثار الإسلامية العظيمة التي تكتظ بها المحروسة.
و اول من بنى هذا الباب كان جوهر الصقلي.
و الصقلي هو قائد جيوش الفاطميين في عهد المعز لدين الله الفاطمي.
و الذي كان أرسله لفتح مصر، لتصبح مصر تحت سلطان الفاطميين بعد أن كانت تحت سلطان العباسيين و حكم الاخشيديين.
ظلت مصر تحت حكم جوهر الصقلي أربعة سنوات إلى أن أتى إليها المعز لدين الله.
في خلال تلك الفترة و بأمر من المعز، بنى جوهر الصقلي القاهرة.. قاهرة المعز، و أسس فيها الجامع الأزهر.
و شرع بعدها في بناء تحصينات المدينة الجديدة و كان من ضمن ذلك كما كانت العادة في ذاك الزمن بناء سور حول المدينة.
و بالطبع كان من الضروري عمل بوابات لهذا السور لتبقى المدينة تحت السيطرة في الدخول إليها و الخروج منها.
و من تلك الأبواب كان ذلك الباب الشاهد على عصور مختلفة إلى وقتنا هذا، باب زويلة.
التسمية – باب زويلة :
و قيل أن سبب التسمية هو انتساب ذلك الباب لقبيلة من البربر أتت مع جيوش المعز من تونس.
و كان جوهر الصقلي قد أتى من صقلية إلى المهدية في تونس مملوكا.
و الباب الموجود حاليا ليس من بناء جوهر الصقلي، فقد كانت قد أتت عليه عوامل الزمن مثل ما تأتى على غيره.
فقام بدر الدين الجمالي الأرمني ببناء بابا جديدا خلفا لسالفه.
و بدر الدين هذا هو وزير الخليفة المستنصر بالله و صاحب واقعة التصرف و الحل للشدة المستنصرية الشهيرة التي حلت بمصر.
كان ذلك البناء الجديد في عام ١٩٠٢ ميلادية و الموافق عام ٤٨٥ من الهجرة النبوية.
و لا يتبقى إلى الآن من تلك الأبواب التاريخية إلا ثلاثا.
هم باب النصر، باب الفتوح و باب زويلة، و الاخير هو الاضخم و الأجمل و أكثرهم احتفاظا لبناءه.
ماذا عن تسميته ب ” بوابة المتولي” :
في هذا الشأن ثلاثة أقوال و لا ندري أيهم الصواب ؟
الأول يقول بأن باب زويلة، بما انه كان أحد أبواب المدينة، فكان لزاما ان يجلس عليه متولي تحصيل الضرائب ( متولي الحسبة ) .
ذلك الشخص الذي يجمع الضرائب على السلع الداخلة و الخارجة من القاهرة.
و هناك قول آخر يستشهد بأن ذلك كان لقبا ل ” طومان باي” ذلك القلب الشجاع الذي سنأتي على ذكره لاحق.
اما عن القول الثالث و الاخير فهو يستند على حقيقة وجود واحدا من اقطاب الصوفية قديما في تلك المنطقة يسمى ” المتولي”.
و ظن البعض انه ظل ساكنا في الجانب الأيمن من الباب، و كان الناس يذهبون إلى ذلك المكان طالبين العون و المساعدة أو المباركة من ذلك الشيخ.
و استدل مؤيدي هذا الرأي على العثور على أشياء غير منطقية في ذلك المكان أثناء عمليات الترميم المختلفة.
فقد وجد هناك على سبيل المثال آثار لبقايا أسنان و شعر و احجبة، مما يوحي بأن شيئا ما كان يحدث في هذا المكان.
وصف باب زويلة :
بناء ضخم و مهيب، إذا ما وقفت أمامه ستشعر بعظمته، ستحدثه و تسأله عما رأى من قبل.
ذلك الباب يتكون من برجين كلا منهما مستدير الشكل.
فيما بين البرجين ممر مكشوف.
و أعلى كل برج منهما توجد حجرة و الهدف منها ان تكون حجرة استكشافية و دفاعية، يتناوب عليها الجنود المنوط بهم المراقبة.
و أعلى كل حجرة يوجد قبو طولي و يتقاطع مع آخر عرضي.
اما عن أبعاد باب زويلة فهي كالتالي:
العرض يبلغ حوالي خمسة و عشرون مترا، و كذلك عمقه تحت الارض حوالي خمسة و عشرون مترا.
و ارتفاعه اقل من ذلك بقليل فهو يصل إلى ما يقرب من أربعة و عشرين مترا.
ثم أضيف لهذا الصرح العظيم جمالا فوق جماله بأن أضيف له مئذنتين حينما شرع السلطان المملوكي المؤيد بناء مسجدا باسمه.
فاتخذ ” بدر الدين بن محب الدين الاستادار” المهندس المسؤل عن البناء من البرجين فرصة لعمل مئذنتين للمسجد لقربه منهما.
موقع باب زويلة :
يوجد باب زويلة في تلك المنطقة الممتلئة بالآثار الإسلامية، تحديدا على رأس شارع المعز أحد ايقونات الجمال في الآثار الإسلامية.
و ذلك من الجهة الجنوبية او القبلية لشارع المعز لدين الله الفاطمي.
كما يطل احد شوارع القاهرة الهامة على هذا الباب و هو الدرب الأحمر.
و في ذلك الاسم ” الدرب الأحمر” اختلافات، فمنهم من قال ان الاسم يرجع لكثرة إراقة الدماء عند باب زويلة .
حيث كانت تتم هناك عمليات الإعدام العقابية كنوع من الترهيب لكل من تسول له نفسه ارتكاب مخالفة محظورة او جريمة او عصيان لولي الأمر او خيانة و غيره من الأمور التي يعتبرها الحاكم جزاء القتل لها جزاء وفاقا في ذلك الزمن.
و سنذكر في ذات المقال لاحقا بعص الأمثلة على ذلك.
على ذكر مذبحة القلعة :
و منهم من قال أيضا بل هي من كثرة الدماء التي طالت ذلك الشارع جراء مذبحة القلعة في عهد محمد علي باشا.
تلك المذبحة التي أدارها و دبر لها محمد علي بإقتدار، قتل فيها ما يقرب من ال خمسمائة من المماليك.
ذلك بعد أن فاض بهم محمد علي ذرعا و كثرت الخلافات و العداوات بينه و بين هؤلاء المماليك.
فدعاهم لحفل ضخم و كبير لتنصيب ابنه قائدا الجيوش المتجهة إلى نجد للحرب.
في نهاية الحفل و لحظة اقتراب جموع المماليك من باب القلعة فوجئوا بأن أغلق الباب و انهال عليهم جنود محمد علي بالرصاص من كل صوب و حدب.
و استمر القتل في كل من هو مملوكي ثلاثة أيام متصلة، و قيل أن عدد القتلى قارب الألف.
و لم تهدأ الأمور الا بعد أن نزل محمد علي إلى شوارع المدينة منتصرا منتشيا بين جنوده بعد القضاء على المماليك.
أهم الأحداث التاريخية التي شهد عليها باب زويلة :
بالطبع كان باب زويلة مشهدا و شاهدا على الكثير و الكثير من الأحداث، لكن و للأسف كلها مرتبطة بالقتل.
القتل، سواء كان حقا أم باطلا.
قتل رسل المغول :
و لعل أبرز تلك الأحداث ،و كان على حق، هو قتل السلطان قطز لرسل التتار.
فقد بعث هولاكو قائد جيوش التتار ” المغول” الرسل لسلطان مصر وقتها ” قطز”.
و قطز كان أحد أمراء المماليك و الذي تم اختياره لحكم البلاد و قيادة الجيوش في تلك الفترة العصبية من حكم مصر.
فقد كانت تلك الفترة مليئة بالفتن و الانقسامات في شئون الحكم.
فبعد وفاة الملك الصالح في معركة المنصورة كان قد تولى الحكم من بعده ابنه توران شاه و الذي لم يلق قبولا لدى المماليك.
فقاموا بقتله و هو من تولى الحكم لمدة واحد و ستين يوما فقط.
و من ثم قاموا بتنصيب زوجة ابيه ” شجرة الدر” على حكم مصر.
و لم يلق ذلك أيضا قبولا لدى الجميع من ذوي السلطة و خاصة من الخليفة العباسي في بغداد.
و كانت قد تزوجت من الأمير عز الدين ايبك و الذي أسند له الحكم من بعدها، بعد أن قضت في الحكم ثمانين يوما.
ثم دب الخلاف بينها و بين زوجها و التي دبرت لقتله على يد خمسة من غلمانها في الحمام.
قطز و الحكم :
و في وسط تلك الأحداث كان نجم الأمير المملوكي قطز قد لمع و أصبح من المصطفين لدى ايبك، خاصة بعد قتله عدو ايبك اللدود ” اقطاي”.
و عين نائبا لعز الدين ايبك في مصر.
فلما حصل ما حصل مع عزالدين ايبك تم تعيين ابنه علي الملقب بالمنصور سلطانا للبلاد.
و كان صبيا في الخامسة عشر من عمره، ترك له قطز اللقب اسما و لكنه تحكم في مقاليد الأمور كاملة.
و بعد مرور ما يقرب من الثلاث سنوات و بدأ خطر المغول في التفشي، تدخل قطز بشكل واضح و قام بالقبض على الملك الصبي و أمه و أخيه.
و من ثم نصب نفسه سلطانا لمصر و لقب بالمظفر، و اخذ يعد العدة لمحاربة التتار.
فكان من ضمن ما فعل قتله رسل هولاكو الذين بعث بهم لترهيب حاكم مصر و اخضاعه له دون حرب و كانت هي عادة هولاكو.
كما فعل من قبل مع الخليفة العباسي في بغداد و الملك الناصر في الشام.
بداية نهاية التتار من باب زويلة :
لكن تفاجأ الجميع برد فعل الملك الجديد و قتله الرسل و تعليق رؤوسهم على باب زويلة.
و خاف قطز من حكام الشام فقرر قتال التتار و الذهاب اليهم قبل أن يأتوا اليه.
و نادى في أهل مصر و جيشها و الذي لبى النداء على الفور فكان النصر بأمر الله في معركة عين جالوت و زوال خطر التتار نهائيا عام ١٢٥٨ ميلادية.
إعدام السلطان طوماي باي :
و السلطان طومان باي هو آخر سلاطين الدولة المملوكية و تم تنصيبه سلطانا على مصر بعد قتل عمه السلطان الغوري.
و كان طومان باي نائبا له.
و كانت الدولة العثمانية تحت راية السلطان سليم الأول قد أرادت فتح مصر، فبعث له سليم الأول رسالة يخبره فيها بابقاءه في منصبه ان استسلم دون حرب.
رفض طومان باي ذلك و قرر الحرب و ذهب لمواجهة جحافل العثمانيين في معركة الريدانية.
و لكن العثمانيين غيروا خطتهم و ذهبوا لفتح القاهرة مباشرة.
و لحق طومان باي بهم و لكنه أحس بالخسارة ففر منهم و اختبأ.
لم يتسرع السلطان سليم الأول في دخول القاهرة تحسبا لطومان باي.
و بالفعل فاجئه طومان باي بعد دخوله القاهرة بعد ثلاثة أيام من الحصار، بأن باغتهم في بولاق.
و ظل الكر و الفر بين الفريقين فيما هو اشبه بحرب الشوارع و فر طومان باي أخيرا إلى بنها.
و عاود الكرة مرة أخرى إلى أن كانت النهاية في إمبابة و تم القبض عليه.
و دار حوارا بين السلطان سليم الأول و طومان باي، أظهر فيه سليم الأول إعجابه و تقديره الشديدين بشخصية طومان باي.
و مع ذلك اتخذ قرارا باعدامه شنقا عند باب زويلة.
و لكنه عرف له مقامه فكان موكبا عظيما أعد له و هو في طريقه و وزع الذهب على العامة تكريما له.
و كان مشهدا عظيما يروى يوم شنقه و بحضور الالاف من الناس و اظهارهم حبهم و تقديرهم لشخص البطل طومان باي.
و صافح الناس في طريقه و طلب منهم قراءة الفاتحة له ليتم اعدامه هو الاخر على باب زويلة و يسدل الستار تماما عن الدولة المملوكية في مصر.
حادثة الوزير ” نصير بن عباس” :
و نصير بن عباس كان وزيرا للخليفة الفاطمي الظافر.
و لكن اتهمه نساء القصر بالتدبير لقتل الخليفة.
و من ثم قتل هو الاخر على باب زويلة.
و الجدير بالذكر ان السلطان برقوق أيضا و هو أحد المماليك الشراكة و على الرغم من حب الناس له إلا انه يقال انه اكثر من اراق الدماء على هذا الباب، باب زويلة.
اترك تعليقاً