المتنبي .. فخر الشعر العربي .. مدح و هجاء و غرور

المتنبي بالطبع هو أحد مفاخر الشعر العربي و لا جدال في ذلك.



فهو أقوى الشعراء العرب على مر الزمان سواء كان في الجاهلية أو بعدها.

أكثر المتنبي من شعر المدح للحكام و الأمراء، لعل هذا كان لشيئا في نفسه.

فهو كان يرى نفسه دائما في مكانا عاليا أعلى من غيره من الشعراء بل من الأمراء أنفسهم.

فلم تكن هناك قصيدة ينظمها في مدح أحد الملوك أو الأمراء إلا و قد بدأ فيها بالثناء على نفسه.

بل كان مدحه لنفسه في بعض الأحيان يفوق ما يقوله في حق الممدوح شخصه.

و كان مما قال عن نفسه:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صمم.

كما لمع في الهجاء و كانت هذه إحدى صفاته فهو شديد اللسان على من يعاديه حتى و لو كان مادحه من قبل.

و هو أفضل من وصف في الشعر العربي، كان ذو ملكة وصفية دقيقة يفوق فيها غيره من الشعراء.

و كان من فرط الإبداع في الوصف وكأنه يرسم صورة أمام عينيك؛ خاصة في وصف المعارك.

لهذا فقد أرخ لفترة من الزمان المعارك التي خاضها الأمراء و الملوك الذين عاش هو في بلاطهم.

فهو ابدا لم يقتصر على أحد الملوك أو الأمراء إنما كان كثير التنقل بينهم و أن كان سيف الدولة الحمداني هو الأبرز فيهم.

عايش المتنبي فترة شديدة الحساسية في التاريخ الإسلامي و هي فترة انهيار الخلافة العباسية.

حيث كثرت المعارك بين الأطراف و ظهور حركات متمردة مختلفة مثل القرامطة.

كما شهدت تلك الفترة ظهور دويلات و إمارات صغيرة مقارنة بمساحة الدولة العباسية كما كان الوضع في مصر بقيام الدولة الإخشيدية.

كل هذا تم تسجيله على يد المتنبي و من خلال شعره فصار أفضل من وصف تلك الفترة من التاريخ الإسلامي.



نشأة المتنبي :

هو أحمد بن الحسن بن الحسين الكندي.

ولد في الكوفة و نشأ هناك و لهذا كني بالكندي حيث تربى في حي قبيلة كده.

كان صبيا شجاعا طموحا شديد الذكاء.

بدأ كتاباته للشعر و هو لم يتجاوز سن التاسعة من عمرة و نمت هذه الفطرة بداخله حتى انتهى به الأمر لأكثر من 320 قصيدة.

المتنبي و سيف الدولة الحمداني:

كان سيف الدولة الحمداني صاحب و أمير مدينة حلب في الشام.

و هناك وجد المتنبي مبتغاه فقد لاقى من الحب و الود عند الحمداني ما لم يجده عند غيره.

و هو الآخر لم يمتدح أحدا مثلما امتدح الحمداني في شعره فاحبه الأمير و جعله في حاشيته.

و كان مما قال فيه:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم و تأتي على قدر الكرام المكارم.

و عاش هناك أفضل الأيام و وصل من القوة و السطوة ما يرضي غروره و يشعره بأنه أخيرا نال ما يستحق أو أقل قليلا.

لم يعجب هذا الوضع الكثيرين ممن هم في بلاط الأمير و بدأت الوشايات و من ثم بدأ الأمير يتغير على شاعره.

حتى أن أحد الوزراء اهان المتنبي في حضرة الأمير و لم يرده و لم ينصفه.

و كان مما أشيع أيضا وقتها هو عشق المتنبي لاخت الأمير و رثاءه إياها في شعره مما أغضب الحمداني كثيرا.

و بعد أن مكث هناك لمدة تزيد عن تسع سنوات حانت لحظة الفراق، غادر المتنبي حلب و هو لا يكره أميرها إنما نقم على حاشيته و سماعه لوشايتهم لديه.

المتنبي و كافور الإخشيدي:

بعد أن ترك المتنبي حلب و الحمداني توجه إلى مصر حيث كانت تأسست الدولة الإخشيدية.

كان يحكمها وقتئذ كافور الإخشيدي و أعجب بشعره و قربه منه و جعله في حاشيته هو الآخر.

و لكن سرعان ما انقلب الحال، و بدأ الإخشيدي في التوجس من المتنبي.

فكلما إستمع لشعره و مدحه كلما إزداد خوفه من تطلعات المتنبي.

و كان كما قلنا سابقا يمتدح نفسه مثلما يمتدح الأمراء أو أكثر.

فطرده الإخشيدي من مصر بعد ما أهانه و حط من قدره، فهجاه هجاء لاذعا عند رحيله من مصر و عودته للكوفة.

و كان مما قال فيه:

صار الخصب إمام الآبقين بها     فالحر مستعبد و العبد معبود

نامت نواطير مصر عن ثعالبها    فقد بشمن و ما تغني العناقيد

العبد ليس لحر صالح بأخ          لو أنه في ثياب الحر مولود

لا تشتر العبد إلا و العصا معه   إن العبيد لأنجاس مناكيد

كيف قتل المتنبي ؟



كان قد هجا ضبة بن يزيد الاسدي العيني و خلال إحدى رحلاته متجها إلى الكوفة قابله خال ضبة و اسمه فاتك بن أبي جهل ( ليس أبو جهل الذي نعرفه).

تقاتل الفريقين و لما أحس المتنبي بالهزيمة و قرر الفرار هاربا فأحرجه غلامه قائلا:

ألست أنت القائل:

الخيل و الليل و البيداء تعرفني و السيف و الرمح و القرطاس و القلم

فرد عليه المتنبي قائلا:

قتلتني قتلك الله.

و قتل بعدها المتنبي، كان ذلك عام 965 ميلادية عن عمر يناهز 50 عاما و هو المولود في 915 ميلادية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *