عباس محمود العقاد .. العملاق .. صاحب العبقريات



عباس محمود العقاد هو عملاق الأدب العربي بلا شك، يملك العقاد رصيد كبير من الإبداع الفكري و الأدبي قلما يقترب منه شخص آخر.

له أكثر من مئة كتاب متنوعة، سواء كان في الأدب، الدين، الشعر و الصحافة.

في أقصى جنوب مصر، في أسوان نشأ الطفل عباس محمود العقاد.

ليصبح فيما بعد واحد من عمالقة الفكر و الأدب في الوطن العربي أمثال أنيس منصور، الحكيم و طه حسين.

و تسمى عائلته العقاد نظرا لإشتغال جدوده بصناعة الحرير، تلك الصناعة التي إشتغل بها لبعض الوقت في مدينة دمياط.

دخل عباس محمود العقاد في الكثير من المعارك الفكرية و الأدبية مع معاصريه من كبار الأدباء و المفكرين.

عزف عباس محمود العقاد عن الزواج نهائيا، ليقضي حياته وحده في محرابه صديقه الصدوق هو قلمه ليس غيره.

كان عباس محمود العقاد موسوعة في كل شيء.

ليس أدل على ذلك من إلمامه بجوانب كثيرة في علم النفس، الإجتماع، الفلسفة، الأدب، الشعر و التاريخ.

و هو بجانب ولعه بالشعر و النقد كان يولي إهتماما كبيرا بالقضايا الدينية و الإتجاهات الفلسفية.

لنفترب بعض الشيء من شخصية عباس محمود العقاد و نكتشف القليل من تركيبته التي كثيرا ما أبهرت من يبحث فيها.



النشأة الجنوبية و تأثيرها في حياة عباس محمود العقاد:

في يوم الجمعة، الثامن و العشرين من يونيو عام 1889 ولد الأديب الكبير عباس محمود العقاد.

كان ذلك في إحدى قرى أسوان بأقصى جنوب مصر، و لم يكن يعلم أحد وقتها أن ذلك الصغير سيكون له شأنا عظيما فيما بعد.

و أبوه هو محمود أفندي إبراهيم مصطفى العقاد معاون قلم محفوظات المدينة.

لم تكن مدينة أسوان وقتها من المدن التي تعج بالمدارس الحكومية بمختلف مستوياتها.

لهذا لم يحصل أديبنا الكبير إلا على الشهادة الابتدائية فقط.

و بالرغم من ذلك إلا أن ذلك العملاق الصغير إستطاع أن يلم باللغة الإنجليزية بشكل كبير.

كان ذلك نتيجة لإحتكاكه المستمر مع السياح الأجانب القادمين الإستمتاع بالسياحة في أسوان.

ظهرت علامات النبوغ على العقاد منذ الصغر و كان والده كثيرا ما يصحبه معه لحلقات الشيخ الجداوي بالقرية ليتتلمذ على يده.

و الشيخ الجداوي هو أحد تلاميذ جمال الدين الأفغاني.

حتى أن الإمام محمد عبده حينما زار المدرسة التي كان يتعلم بها العقاد و قرأ بعض كتاباته الإنشائية تنبأ له بمستقبل مبهر ككاتب.

نبذة عن حياة عباس محمود العقاد:

بعد أن حصل عباس محمود العقاد على الشهادة الابتدائية عام 1903 إلتحق بالعمل في ديوان محافظة قنا ككاتب في القسم المالي.

و منها توجه لمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية.

ثم عمل بمصلحة التلغراف أو البرق بالقاهرة و سكن هناك في غرفة صغيرة مؤجرة.

كما كان قد سبق له العمل بمصلحة السكة الحديد.

و كانت مدينته أسوان هي الملجأ الذي يذهب إليه عند حدوث أي تعسر مالي أو صحي.

و كانت هذه هي المرة الأولى و لكنها لن تكون الأخيرة.

فعند مروره بالأزمة المالية إضطر للعمل بالدروس الخصوصية قبل المغادرة لأسوان و بعد إستقرار أموره نسبيا نزح للقاهرة ثانية.

بداية الحياة الأدبية الحقيقية:

تتلمذ العقاد أدبيا على يد الشاعر محمد حسين محمد.

كما عمل في تلك الفترة مع الكاتب محمد فريد وجدي بجريدة الدستور، بعد إستقالته من العمل الحكومي.

إلتقى وقتها بالزعيم الراحل سعد زغلول وزير المعارف وقتها و إستطاع عمل حديثا صحفيا معه ليبدأ نجم الصحفي الصغير في اللمعان.

و بعد عامين من الشراكة مع وجدي إفترق الشركاء، نتيجة لمشاكل مالية، مرض بعدها العقاد و عاد لأسوان بعدها.

و في عام 1911 عاد للقاهرة و عمل بجريدة البيان و من بعدها المؤيد لصاحبها الصحفي أحمد حافظ عوض.

ثم تركها لما طلب منه إصدار كتابا يمجد فيه الخديوي عباس حلمي، الأمر الذي قابله بالرفض و من ثم الإستقالة.

و عمل بعدها لفترة كمحررا في جريدة الأهرام، كما أصدر جريدة الضياء و عمل أيضا في جريدة البلاغ.

حدث في تلك الفترة ما لم يكن في الحسبان أنه تم سجنه لمدة 9 شهور عقابا له على آراءه السياسية و أتهم بسب الذات الملكية.

كما عادى أيضا النظام النازي، حتى أنه فر هاربا للسودان حينما إقتربت جحافل روما، فقد وضع على قائمة المطلوبين.

كما كان عباس محمود العقاد من ضمن من عارضوا معاهدة 1936.

و عين أيضا عضوا في مجمع اللغة العربية، كما كان قد أنتخب عضوا بمجلس النواب.

من الغرائب في حياة عباس محمود العقاد أنه رفض جائزة الدولة التقديرية.

و رفض أيضا منحه الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة.

معارك كثيرة في حياة عباس محمود العقاد نذكر منها:

من أشهر تلك المعارك كان معاداته للكاتب و المفكر سلامة موسى التي لامه فيها على دعوته للمدنية المفرطة.

و لا يمكن أن نتكلم عن معاركه و لا نذكر معركته مع أمير الشعراء أحمد شوقي.

تلك المعركة التي رد عليه فيها من خلال كتاب ” الديوان في اﻷدب و النقد.

و من أهم القضايا الإختلافية في حياته هي قضية إعجاز القرآن .

و التي إختلف فيها مع الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي، كما إختلف معه أيضا في قضية اللغة بين الإنسان و الحيوان.

حتى رواد مدرسته الشعرية المسماة بالديوان الثائرة على التقاليد الشعرية و التي أسسها مع عبدالرحمن شكري و إبراهيم المازني،.

فقد دخل العقاد لفترة في صراع مع زميله عبدالرحمن شكري.

و هناك معارك أخرى خاضها مع معاصريه مثل:

عائشة عبدالرحمن “بنت الشاطيء” و الدكتور زكي مبارك و الدكتور العراقي مصطفى جواد.

و لعل من أبرز المعارك؛ تلك التي خاضها أمام عميد الأدب العربي طه حسين و الخلاف حول فلسفة أبوعلاء المعري.

لكن هذا الخلاف لم يكن أبدا ليثني طه حسين عن قول رأيه بصراحة في العقاد.

فقد قال عنه أنه يجد فيه ما لا يجده في غيره من الشعراء.

كما قال عنه أيضا ” ضعوا لواء الشعر في يد العقاد “.

ظل عباس محمود العقاد مدافعا عن اللغة العربية و الدين الإسلامي الوسطي العظيم و كان على طول الخط معاديا للشيوعية و الوجودية.

و من أهم ما كتب عن الإسلام ” حقائق الإسلام و أباطيل خصومه ” و في اللغة العربية أيضا كتب ” اللغة الشاعرة “.

بالرغم من أن العقاد لم يتزوج قط إلا أن المرأة نالت قسطا وفيرا في كتاباته.

كن ذلك كما حدث في كتاب ” هذه الشجرة ” و الذي ربط فيه بين الحرية و الجمال.

من كتابات عباس محمود العقاد:

أنهى حياته بعشرة كاملة من الدواوين بدأت ب ” يقظة الصباح ” عام 1916 و إنتهت ب ” ما بعد البعد “.

و بينهما: وهج الظهيرة، أشباح اﻷصيل، هدية الكروان، عابر سبيل، أعاصير مغرب و حي الأربعين و بعد الأعاصير.

كما كانت مجموعة العبقريات من أروع ما كتب العقاد.

فقد تكلم عن عبقرية محمد عليه الصلاة و السلام، عبقرية عمر، عبقرية الصديق، عبقرية عمرو بن العاص، عبقرية الإمام علي و عبقرية عثمان بن عفان.

كما تناول أيضا في كتاباته العديد من الشخصيات العامة و التاريخية مثل:

هتلر، المعري، أبو نواس، ابن سينا، غاندي و سعد زغلول.

كما كتب أيضا عن حياة المسيح عليه السلام.

و مع كل ذلك إلا أنه لم يكتب إلا قصة واحدة في حياته و كانت بعنوان ” سارة “.

كما جمع تلميذه ” محمد محمود حمدان ” بعض كتاباته التي لم تظهر للنور بعنوان ” المجهول و المنسي من شعر العقاد “.

و العقاد نشيد مشهور كتبه عام 1934 بعنوان ” نشيد العلم “.



النهاية:

و في عام 1964 رحل عن عالمنا الكاتب و المفكر الكبير عباس محمود العقاد عن عمر يناهز الخامسة و السبعين عاما.

رحل العقاد مخلفا وراءه إرثا ضخما من العلم و اﻷفكار التي أثرت المكتبة المصرية و العربية بالكثير و الكثير.

تلك الحقبة الزمنية تمتعت كثيرا بمجموعة من عظام الأدباء و المفكرين المصريين و العرب أمثال توفيق الحكيم و العقاد و طه حسين.

رحم الله الكاتب و المفكر الكبير عباس محمود العقاد.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *