ابو جهل .. عمرو بن هشام .. فرعون هذه الأمة

ابو جهل كان فرعون هذه الأمة كما وصفه أشرف الخلق و المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزونة من بني خزام.

و كان ابو جهل سيدا من سادات قريش التي تنتمي لكنانة في الأصل.

والده هو هشام بن المغيرة الذي شهد حرب الفجار التي دارت في الجاهلية.

حرب الفجار تلك دارت بين قريش من بني كنانة ضد غطفان، ثقيف و هوازن من بني قيس عيلان.

سميت حرب الفجار بهذا الإسم لأنهم إستحلوا الحرب في الأشهر الحرام التي كان يعظمها العرب حتى في الجاهلية.

ناهيك عما حدث فيها من قتل و سفك للدماء و قطيعة أرحام.

لما نزلت الرسالة على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، علم بهذا الأمر ابو جهل.

 كان من أشد من عادى الرسالة و من نزلت عليه صلى الله عليه و سلم.

بل و كان من أكثر من آذوا رسول الله عليه أذكى الصلاة و السلام.

كما آذى أيضا صحابته الكرام أيضا لم يسلموا منه و من شره.

هو ذاك الرجل الذي كثيرا ما قدمته السينما و التليفزيون بهيئة الرجل الضخم.

تخيلوه دائما الرجل ذو الصوت الأجش و اللحية الكثيفة، شديد البغض و الكراهية للإسلام و المسلمين.

ليس صحيحا بالمرة أن ابو جهل هو عم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما يظن البعض.

و الصحيح أن عمه هو ابو لهب الذي سنتحدث عنه فيما بعد إن شاء الله.

و هناك من إدعى أن ابو جهل هو خال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه و الله أعلم.
ميلاد ابو جهل:

كان ميلاد ابو جهل لعنه الله في مكة.

فقد ولد عام  ٥٧٢ ميلادية.

بينما قتل ابو جهل عام ٦٢٤ ميلادية في العام الثاني من الهجرة عن عمر ٥٢ عاما.

ما السر وراء كنيته ” ابو جهل “: 

كان ابو جهل يكنى في الجاهلية بابي الحكم.

كان ذلك لرجاحة عقله و حكمته الشديدين.

حتى أنه دخل دار الندوة و هو لم يكن يتجاوز الخامسة و العشرين من عمره.

تلك الدار التي كان يجتمع بها كبراء قريش ليتشاورا في أمورهم.

لم يكن مسموحا لمن هم دون الخمسين من عمرهم بالدخول لدار الندوة.

فكان ابو جهل الإستثناء الوحيد لذلك، لما كان يملك من حكمة و فطنة في التفكير.

إلى أن نزل القرآن و بدأت الرسالة الأسمى في التاريخ البشري على يد سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم.

بعدها جن جنون الرجل الحكيم و كأنه أصابه مس من الشيطان فصار لا عقل له و لا حكمة.

حتى أن عمه الوليد بن المغيرة كناه ب ” ابو جهل ” بعد أن كانت كنيته أبو الحكم.

كما ان هناك قولا آخر في تسميته بهذا الإسم.

و أن من أطلق عليه تلك الكنية هو سيدنا و رسولنا و نبينا محمد صلى الله عليه و سلم.

كان ذلك بعد قتله لأول شهيدة في الإسلام ” سمية بنت الخياط ” رضي الله عنها.

و سمية بنت الخياط هي والدة الصحابي الجليل عمار بن ياسر.

اقرأ أيضا  ابو لهب .. من نزلت فيه سورة المسد .. ما معنى تبت؟

و آل ياسر كانوا ممن آذاهم المشركين كثيرا لما كانوا فيه من إستضعاف.

حتى أن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبرهم و بعدهم بالجنة بأمر الله.

فإذا بالطاغية الفرعون ابو جهل يقتلها غدرا بالحرباء في قبلها.

 و هو لا يعرف أن موعدها في الجنة بإذن الله و موعده هو في النار حق بأمر الله.

فبعد هذه الحادثة أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم لقب ” ابو جهل ” و هو أهل له و لم يكن في الدنيا من إستحق هذا اللقب وقتها مثله.

نسل ابو جهل: 

زرارة بن ابي جهل.

تممي بن ابي جهل.

عكرمة بن ابي جهل الصحابي الجليل الذي حسن إسلامه و نحسبه في الجنة بإذن الله تعالى.

إلى أي مدى كره ابو جهل الإسلام و المسلمين: 

لا شك في كونه كان من أكثر من يكره الإسلام و كل ما يخصه و له علاقة به، كيف لا و هو فرعون هذه الأمة.

بل إنه لعنه الله كان يتجرأ كثيرا على أشرف الأنام محمد صلى الله عليه و سلم و حاول جاهدا أن يقتله لولا أن حماه ربه و حفظه من شر أعداءه و كفاه مكرهم.

من المواقف التي ذكرت في ذلك أن ابو جهل هو من أشار على قريش أن قتل محمد  ( صلى الله عليه و سلم) لا يجب أن يكون بيد رجل واحد.

بل أشار عليهم بأن يأخذوا رجلا من كل قبيلة لقتله و يتفرق دمه و لا يقدر بني عبد مناف على معاداة و محاربة تلك القبائل جملة لولا أن رد الله كيدهم.

كما ذكر أيضا في رواية سيدنا عمر بن الخطاب أنه رصد ١٠٠ ناقة حمراء و سوداء و ١٠٠٠ أوقية من الفضة لقتله.

كما أنه من دلائل حقده على بني هاشم أجمع و سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأخص أنه لما سأله الأخنس بن شريق من بني زهرة عن محمد أجابه بأنه لم يعرف عنه الكذب قط و لكنها غيرة الجاهلية الأولى التي أعمت قلبه.

بل أنه نفى ذلك نهائيا عنه صلى الله عليه و سلم و إعترف بتسميتهم له بالصادق الأمين و إنما هو الكره و الغل الذي ملأ قلبه.

فقد أقر بأن أمر هذا الدين يعلي من شأن بني هاشم الذي فيهم السقاية و الرفادة للحجاج ( و كان هذا شرفا عظيما لهم بتجهيز المياه و الطعام لحجاج بيت الله الحرام).

فلابد ألا تكون فيهم النبوة أيضا إذ أنه لو حدث ذلك ما يكون لبني مخزون.

رسول الله يحميه ربه: 

هناك قصة أخرى تبين مدى كرهه لسيدنا محمد صلى الله و عليه وسلم.

حيث أن ابو جهل قد تعهد أمام قريش بأن يلقي عليه بحجر كبير إذا ما رآه يصلي في الكعبة المشرفة.

و لما هم بفعل ذلك أمام أعين الجميع فإذا بيده تتيبس على حجمها و لا يقدر و يرجع.

و لما سئل عن ذلك أجاب بأنه كلما هم بفعلها عرض أمامه فحل من الإبل لم يرى مثله قط، بهذا حمى الله جل و علا رسوله صلى الله عليه و سلم من أيدي ذلك المعتدي قبح الله وجهه.

اقرأ أيضا  هبل – اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى – بعل – ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر

ابو جهل رغم كل ذلك إمتلك نخوة العرب: 

حينما أقنع ابو جهل قومه بفكرته بقتل سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم على يد مجموعة من خيرة رجالهم لا بيد رجل واحد راحوا يترقبوا له أمام بيته.

إلى أن خرج أمامهم جميعا دون أن يراه أحدهم بحفظ الله و أمره الذي أعمى بصرهم كما عميت بصيرتهم من قبل.

فلما سئل ابو جهل لماذا لم يقم بإقتحام البيت رد عليهم بأنه لا يريد أن تعايره العرب بعد ذلك بدخوله بيت الرجل و إنتهاك حرمته.

كما كان له الشرف الكبير بأن دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يعز الإسلام بأحد العمرين ” عمر بن الخطاب” أو ” عمرو بن هشام “.

فكان أمر الله أن يعز الإسلام بعمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه و ظل عمرو بن هشام على كفره إلى أن قتل في غزوة بدر.

مقتل ابو جهل: 

أكرم الله رسوله صلى الله عليه و سلم في معركة بدر و من عليه بالنصر المبين.

بل و قتل من الكفار مقتلة عظيمة و على رأس من قتلوا كان ابو جهل عمرو بن هشام.

أراد عتبة بن ربيعة قائد الكفار في المعركة خوفا من ملاقاة إبنه أبو حذيفة الذي كان قد من الله عليه بالإسلام.

كان ابو جهل هو من منعه من ذلك حتى ينفذ فيه أمر الله الذي لا راد له.

و قتله بنو عفراء معاذ و معوذ و هما لم يتجاوزا السادسة عشرة من عمرها.

كان قد إحتمى ابو جهل بشجرة عظيمة في المعركة و حاول كفاره الزود عنه بكل ما أوتوا من قوة.

و يحكى أن الغلامين سألا سيدنا عبدالرحمن بن عوف عن ابي جهل لما سمعوا عنه من إيذاءه لرسول الله صلى الله عليه و سلم.

فلما أشار عليهما بمكانه ذهبا له و تمكنا منه بفضل الله و قطعت إحدى ساقيه وقتها.

و لما فرغ المسلمون من القتال سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجاله بأن يأتيه أحدهم بخبر ابو جهل و ما حصل له بالمعركة.

أذن بأذن و الرأس زيادة: 

فذهب عبدالله بن مسعود إمتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم يود العثور على هذا الطاغية حتى وجده.

فلما عثر عليه علت قدمه رأس الكافر فسأله ” لمن الغلبة اليوم ” فرد عليه بن مسعود بأنها لله و رسوله.

و لما علت قدمه على وجه الرجل قال له ” لقد إرتقيت ملتقى صعبا يا رويعي الغنم “.

فما كان من بن مسعود إلا أن قطع رأسه و أتى بها لرسول الله صلى الله عليه و سلم و بها قطع بالأذن أيضا.

و قد قطع أذن بن مسعود ابو جهل من قبل و إقتص الرجل لنفسه.

فرح رسول الله صلى الله عليه و سلم كثيرا بمقتل فرعون  هذه الأمة فقد كان يشكل خطرا كبيرا على تلك الرسالة التي كانت في المهد وقتها.

آيات من القرآن الكريم نزلت في ابي جهل: 

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) ( سورة الجاثية ).

اقرأ أيضا  هبل – اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى – بعل – ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41) إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ(44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) ( سورة الدخان)

أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ(13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) ( سورة العلق).

هكذا تحدث القرآن الكريم عن ذلك الرجل “ابو جهل ” و توعده بالعذاب الأليم في نار جهنم في يوم لا ظلم فيه عافانا الله و إياكم من عذاب جهنم و رزقنا الجنة بإذن الله.

العناد طبع فرعوني

 قصته وعناده مع أحد حكماء قريش، عتبة بن ربيعة حول كيفية التصدي للدعوة الجديدة، كانت بداية النهاية له ولكثيرين ساروا خلفه. عتبة بحكمته، رأى ألا تتورط قريش بالدخول في عراك سياسي أو عسكري مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وبني هاشم، فإن ذلك من شأنه التأثير على مكانة قريش بين العرب، بالإضافة لما يمكن أن يحدث على الأرض من مشكلات لا حصر لها. فكان يرى تجنب كل تلك التعقيدات، وانتظار ما ستسفر عنه دعوة النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – وكان يردد مقولته الشهيرة:” فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم”. أي إن كانت دعوته كاذبة، وما اقتنعت العرب به ثم قتلته، فإن هذا ما ترغبه قريش لكن دون أن تتورط في الدم والإساءة إلى مكانتها السياسية.

ثم قال:” وإن يظهر على العرب فمُلكهُ مُلككم وعزّه عزّكم وكنتم أسعد الناس به”. أي إن جرت الأمور عكس ذلك، فإن المجد الذي سيحصل للنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – سيكون تلقائياً مجداً لقريش بالضرورة، على اعتبار أن الدعوة وصاحبها – صلى الله عليه وسلم – من هذه القبيلة.

لكن فرعون هذه الأمة وبحماقته وعناده رأى غير ذلك، واستمر في العداوة للدعوة الجديدة بالرعونة والجهالة، حتى قربت ساعة النهاية حين أجبر قريش بالخروج لمعركة، رأى كثيرون عدم الحاجة إليها، بعد أن سلمت تجارتهم من المصادرة، وكانت السبب الأول للخروج وحمايتها. فأما وقد انتفى سبب الخروج، فالحكمة كانت تقتضي حينذاك عدم التصعيد عسكرياً مع المسلمين.

لكن فرعون الأمة وجدها فرصة ذهبية كما كان يعتقد، للتخلص من الدعوة الجديدة وفرض رأيه وبيان صوابه أمام قريش. وهكذا بحماقته ورعونته دفع حكماء وصناديد قريش ورموزها للخروج، واستمر يثير فيهم الحمية الجاهلية إلى آخر لحظة من حياته، التي انتهت بجز عنقه بيد رويعي الغنم – كما كان يصف عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – في معركة بدر الكبرى التي كان كثيرون كارهون لها، ومنهم عتبة بن ربيعة.
بهذا القدر من المعلومات نكون قد وصلنا إلي ختام مقالنا الذي تعرفنا من خلاله على ابو جهل .. عمرو بن هشام .. فرعون هذه الأمة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *