الهجرة النبوية .. حدث عظيم غير مجرى التاريخ، 8 معلومات قد لا تعرفها عن هجرة الرسول
الهجرة النبوية .. حدث عظيم غير مجرى التاريخ، 8 معلومات قد لا تعرفها عن هجرة الرسول، حيث تعتبر الهجرة النبوية من أعظم الأحداث فى التاريخ البشرى كله، إن لم تكن الأعظم على الإطلاق. فبعد النظر والتأمل فى ما سبقها و ما حدث بعدها، ستجد فارقا شاسعا و تغيرا جذريا فى الحضارة الإنسانية و قيم الملك و الحكم و المعاملات بين الشعوب. ومما لا شك فيه أن هذا التحول قد شمل الأفراد و المجتمعات حتى عصرنا هذا، ممتدا عبر مئات السنين السابقة. فلك أن تتخيل عدد المسلمين بعد 13 عاما من الدعوة بمكة عدة مئات، وبعد 10 سنوات من الهجرة النبوية أكثر من المئة ألف مسلم !!
إليك: الهجرة النبوية .. حدث عظيم غير مجرى التاريخ، 8 معلومات قد لا تعرفها عن هجرة الرسول
إن أحداث الهجرة النبوية معروفة بالنسبة لأغلب القراء من أسباب و تجهيز و تحركات و دروس و عبر و فوائد. ولكننا سنحاول معا عرض بعض المعلومات التى قد لا يعرفها البعض أو قد تلتبس عليه هذه المعلومات.
أولا : تاريخ الهجرة النبوية و مدتها
- يظن البعض أن تاريخ الهجرة أول شهر المحرم لأنه أول شهور السنة الهجرية، وهذا خطأ.
- الصواب أن أحداث الهجرة بدأت ليلة الجمعة 27 صفر 1هجرية الموافق 13 سبتمبر 622 م.
- وذلك بخروج الرسول الكريم من بيته إلى بيت أبى بكر، ثم التحرك من هناك.
- وصل النبى صلى الله عليه و سلم إلى قباء يوم الاثنين 8 ربيع الأول 1 هجرية الموافق 23 سبتمبر 622 م.
- دخل النبى المدينة المنورة يوم الجمعة 12 ربيع الأول 1 هجرية الموافق 27 سبتمبر 622 م.
- أما كون شهر المحرم أول شهور السنة الهجرية، لأن العرب كانت تؤقت به لأنه يأتى بعد انتهاء موسم الحج ويعتبر بداية العام الجديد.
- وبهذا تكون مدة الهجرة النبوية حوالى أسبوعين من التنقل فى الطرق الوعرة و الأودية و الجبال و الصحراء.
ثانيا : مسافة الهجرة النبوية
المسافة بين مكة و المدينة حوالى 460 كيلومترا، وذلك من خلال الطريق المعتاد الذى يسلكه التجار و سلكه كثير من المهاجرين. ولكن الرسول عليه السلام فى هجرته غير مسار هجرته و سلك طريقا غير معتاد، حتى أنه بدأ الطريق نحو الجنوب وليس الشمال عكس المعتاد.
وبهذا زادت مسافة الهجرة بالنسبة للرسول حتى أصبحت حوالى 500 كم أو أقل قليلا. وكان هذا من التوكل على الله و الإمعان فى الأخذ بالأسباب، فرغم شدة الحر و صعوبة الطريق البديل ، كان هذا بفضل الله الاختيار الأفضل.
ثالثا : الهجرة النبوية من أعظم دلائل النبوة التى تتجلى فيها ملامح الرسول القائد
يتضح من خلال سرد أحداث الهجرة و ظروفها صدق النبى صلى الله عليه و سلم فى دعوته و عدم كذبه.
كما تتجلى فيها شخصية القائد كما يجب أن يكون.
نرصد بعضا من هذه اللقطات و دلالاتها فى السطور التالية:
مخاطر الهجرة الكثيرة من:
- طول المسافة و شدة الحر و تغيير المسار و صعوبة الطريق.
- كثرة الباحثين عنه الطالبين لقتله.
- قلة الصحبة و الحماية خلال السفر ( النبى و أبو بكر و الدليل معهما فقط).
الهجرة النبوية ففى صحراء قاحلة
الثبات النفسى الشديد للنبى صلى الله فى أشد المواقف صعوبة:
- مثل موقف غار ثور لما وصل الفرسان إلى باب الغار.
- حيث يقول علماء النفس أن هذا الثبات العجيب لا يكون من كذاب او دجال و إنما من صاحب رسالة حقيقية مؤمن بها.
استعمال النبى صلى الله عليه و سلم للأشخاص فى الهجرة:
- استعماله أقاربه (مثل على بن أبى طالب ) و أقرب أصحابه ( أبى بكر) فى هذه الظروف الصعبة يدل على صدقه.
- فإن الملوك عند خشية القتل فى المهام الصعبة توكلها إلى غير هؤلاء، أما النبى فلا.
إصرار النبى على رد الأمانات لأهل قريش و توكيل ابن عمه بالمهمة:
- يدل على سمو غير عادى فى الأخلاق حتى مع الخصوم.
تأخير النبى هجرته حتى هاجر أغلب الصحابة و المسلمين:
- على عكس ما يفعله أغلب القادة والملوك من الهرب بأنفسهم و أهليهم وقت الشدة.
حدوث بعض المعجزات النبوية مثل:
- نصرته بالملائكة.
- تعمية الله عز وجل للكافرين عنه عند خروجه من داره و عند وجوده فى غار ثور.
- ما حدث لفرس سراقة بن مالك.
- ما حدث مع أم معبد وحلب الشاة الهزيلة.
رابعا : الهجرة النبوية سنة من سنن الأنبياء و الصالحين
تشرع الهجرة لنشر الدعوة إلى الله و ترك أرض الكفر والبحث عن أرض خصبة للإيمان و لعبادة الله كما ينبغى. ولم يكن نبينا عليه السلام أول من يهاجر من بلده من الأنبياء فقد هاجر إبراهيم عليه السلام (من العراق إلى الشام). كذلك هاجر لوط و موسى و عيسى عليهم السلام. و شرع الله الهجرة لعبادة المسلمين حتى يقيموا دين الله فى الأرض و يأمنوا على أنفسهم.
خامسا : لماذا هاجر عمر جهرا و هاجر النبى سرا ؟
من المعلوم أن عمر بن الخطاب قد هاجر علانية و هاجر معه عشرون من المسلمين. أما هجرة النبى صلى الله عليه و سلم فكانت سرية ، فلم ذلك ؟ وهل عمر أشجع من النبى ؟
بالطبع لا ..
فالنبى كان أشجع الناس و أشدهم رباطة للجأش كما عرف ذلك عن الصحابة أنفسهم من أنهم كانوا يحتمون برسول الله إذا اشتدت الحرب. والجواب على ذلك من عدة وجوه:
- الأول: أن تصرف عمر شخصى و فردى يعود عليه فقط. أما تصرف النبى فهو تشريع و سنة، فإن فعل كما فعل عمر لوجب ذلك على أمته ولما استطاعوا.
- الثانى: أفعال النبى يتعلم منها و تتابع ، و هى التى يقاس عليها قبل غيرها ، ولهذا فإنها تناسب عموم الناس، وبها يستن المسلمون.
- الثالث: عمر لم يطلب قتله ويسعى إليه مثل النبى ، و كانت قريش تعلم أن المهم عندها هو قتل الرسول فبقتله تنتهى الدعوة. أما عمر فبالنسبة لهم رجل من المسلمين تكتمل الرسالة به أو بدونه.
- الرابع: كان المشركون يعلمون أنهم إذا قتل منهم أحد فى طلب الرسول فهذا مكسب لهم بتحقيق غرضهم حتى ولو كان المقتول أفضل فرسانهم. أما لو قتل أحدهم فى طلب عمر فهو خسارة بالنسبة لهم، ولهذا لم يخرج أحد للقاء عمر.
سادسا : لماذا كانت الهجرة النبوية للمدينة المنورة ؟
يبدو واضحا أن اختيار المدينة المنورة لتصبح مهاجر رسول الله كان وحيا من الله عز و جل. حتى أن صفتها ذكرت فى الكتب المقدسة السابقة كالتوراة و الإنجيل. وجاء للنبى صلى الله عليه و سلم صفة أرض هجرته فى رؤيا قبل الهجرة بمدة. وبعد التأمل و التدبر تظهر لنا بعض العوامل و الأسباب التى تبين لنا سبب ذلك. شكل المدينة و تحصينها أثناء غزوة الأحزاب وبالطبع طالما أن الأمر وحى، فلابد من وجود أسباب أخرى لا نعلمها قد خفيت علينا، ولكننا سنذكر ما ظهر لنا بعد البحث:
- تعتبر المدينة محصنة جغرافيا من جوانبها الشرقية والغربية ( سلاسل جبلية ممتدة) و الجنوبية ( غابات كثيفة و جبال يصعب اختراقها)، ويبقى الجزء المفتوح منها فى الجانب الشمالى ( وهو الذى حفر المسلمون فيه الخندق فى غزوة الأحزاب).
- موقع المدينة يتوسط جزيرة العرب بين مكة و الشام و شمال الجزيرة، ويمكن نقل الدعوة منها إلى ما يجاورها من أحياء العرب.
- ما عرف عن الأنصار و كرمهم و صبرهم و شدتهم فى الحرب و منعتهم، حتى أنه لم يذكر فى تاريخ العرب انهم قد احتلوا من قبل.
- تواجد أخوال الرسول من بنى النجار بها.
سابعا : الهجرة النبوية مثال مصغر لمنهج الأمة كلها من الأخذ بالأسباب لأقصى درجة مع التوكل الكامل على الله
عند استعراض الرحلة المباركة من أولها لأخرها يتجلى هذا المفهوم من استنفاذ الجهد و الطاقة فى أسباب النجاح، فمثلا :
- ذهاب النبى لأبى بكر فى وقت الظهيرة ملثما ( لا يذهب له عادة فى هذا الوقت الذى يستريح فيه الناس، ولا يعرف من هو).
- نوم على رضى الله عنه فى فراش النبى ملتحفا ببرده الحضرمى ( ظل المشركون أمام المنزل حتى تحرك النبى و ابتعد عن مكة).
- تكتم النبى على خبر الهجرة ( لم يعرف به إلا آل أبى بكر وعلى عليهم رضوان الله، ولم يعرفوا التفاصيل).
- اتخاذ طريق مختلف للتحرك نادرا ما يستخدم ( بدءا من التحرك للجنوب و ليس الشمال).
- المبيت فى غار ثور ثلاثة أيام حتى خف الطلب عليهم ( تسرب اليأس للمشركين من لحاقهم).
- معرفة أخبار المشركين أولا بأول عن طريق عبد الله بن أبى بكر ( دور استخباراتى و معلوماتى).
- التعمية على مسير الهجرة و آثار عبد الله بن أبى بكر برعى الغنم بواسطة عامر بن فهيرة تابع أبى بكر ( خداع و تمويه لا يشك فيه).
- عدم حمل الكثير من المتاع والزاد ولكن بقدر الحاجة مع اختيار وسائل سفر معدة بامتياز من قبلها ( تجهيز أبى بكر لها للرحيل فى أى وقت)
- استخدام دليل ماهر حاذق مثل عبد الله بن أريقط غير المسلم بعد إعطائه الأمان ( استخدام الكفاءات الأمثل).
- استخدام سراقة بن مالك فى إبعاد الطلب عنهم بعد إسلامه، ولم يعلم قومه بعد، وكان من الممكن أن يكتفى منه بالإسلام فقط ( رغم حداثته بالإيمان ولكن يشرفه النبى بهذا العمل).
- عدم الإعلان عن شخصيته لأحد خلال رحلة الهجرة حتى بعد أن يأس المشركون من إدراكه ( زيادة فى الاحتياط).
و غير ذلك مما يطول شرحه و عرضه من التخطيط و الاستعداد و الحذر. و هذا يعلمنا أن نقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم فى كل ذلك. ولا ننسى أن الأمر كله بيد الله، هو مسبب الأسباب و أمرنا ان نعمل بها و نتوكل عليه، و التوفيق و الفلاح منه و إليه.
ثامنا :كيف تكون مهاجرا فى هذا الزمان و معلوم أنه لا هجرة بعد الفتح ؟
عن ابن عباس أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يومَ الفتحِ : ( لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكن جهادٌ ونِيَّةٌ، وإذا استُنفِرْتُم فانفِروا ) .
رواه البخاري فى صحيحه
فقد يظن البعض أن الهجرة قد انقطعت بعد فتح مكة كما هو معروف بأنه ( لا هجرة بعد الفتح).
و لكن بعد التأمل يظهر أن ذلك فى الهجرة من مكة التى كانت دار كفر، فوجبت منها الهجرة إلى دار الإيمان إلى النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
ولكن بعد الفتح اختلف الوضع، حيث أنه بعد الفتح أسلمت أغلب العرب، فلم يعد هناك دار كفر و إيمان و أصبح أمر الدعوة أسهل ولله الحمد.
ثم تأمل معى هذه الروايات النبوية المباركة:
- لا هجرةَ بعدَ الفتحِ ، ولكنْ جهادٌ ونيَّةٌ ، وإذا استُنفِرتُمْ فانفِروا ، ثمَّ قال لهُمْ : المهاجرُ من هجرَ ما حرَّمَ اللهُ عليه.
ذكره ابن عبدالبر فى الاستذكار 6/286 و قال إنه صحيح.
- المؤمنُ مَنْ أمِنَهُ الناسُ علَى أموالِهِمْ وأنفسهِمْ ، و المهاجِرُ مَنْ هَجَرَ الخطايا والذنوبَ.
صححه الألباني فى صحيح الجامع برقم 6658 .
- ألا أُخْبِرُكُمْ بالمؤمن ؟ مَنْ أَمِنَهُ الناسُ على أَمْوَالِهمْ و أنْفُسِهمْ ، و المسلمُ مَنْ سَلِمَ الناسُ من لسانِهِ و يَدِه ، و المُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نفسَهُ في طَاعَةِ اللهِ ، و المُهاجِرُ مَنْ هجرَ الخَطَايا و الذَّنُوبَ.
صَححه الألباني فى السلسلة الصحيحة برقم: 549.
- إنَّ المُهاجرَ مَن هجرَ ما نَهَى اللَّهُ عنهُ والمسلمُ مَن سلِمَ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ.
صححه أحمد شاكرفى مسند أحمد 11/129 .
وهذا يعنى أن الهجرة مستمرة بترك الذنوب و المعاصى وعمل الطاعات.
الهجرة مستمرة بالجهاد فى سبيل الله.
الهجرة مستمرة بالنية الصالحة الحسنة و العمل المتابع لهدى النبى.
فإذا أردت الهجرة فلا مانع أمامك، شمر عن سواعد الهمة وابدأ هجرتك
جعلنا الله و إياكم من المهاجرين.
اترك تعليقاً