استكشاف الجنَّة .. رحلة عبر الوعى البشرى

أبدية هى محاولات الانسان للفهم ..

بل نستطيع القول ونحن مرتاحى الضمير – الى حد بعيد – ان سجل الحضارة الانسانية ما هو الا محاولة للتفسير وللتأويل .

انقسم البشر عند اختلاف التأويل واحيانا كثيرة قادهم الاختلاف فى التفسير الى الدماء.

اختلفت الامم بلغاتها واديانها واطيافها وطوائفها ولكن دوما كانت هناك محاولة للتفسير ودائما ايضا كان التفسير هو الوسيلة التى يريح بها الانسان قناعاته ويركن بها الى كونه على الطريق الصحيح .. لا بأس من التغييب و لابأس أيضا من التزييف اذا كان هذا الكيان الغامض القابع فى داخل النفس البشرية سيبيت فى أتم حالات الرضا .

ضمن هذه المحاولات الانسانية العديدة الممتدة عبر الارث الانسانى كانت اهم محاولات التفسير تلك هى محاولة كشف غموض النفس البشرية و السلوك البشرى لماذا يقعل الانسان كذا و لا يفعل كذا ؟ ما هو الادراك ؟ وما هو الوعى ؟ كيف نشعر ؟ ولماذا نتصرف بشكل معين ؟



سأحاول المرور السريع هنا على بعض من تلك المحاولات فى القرنين العشرين والواحد والعشرين لنعرج بعدها على الموضوع الرئيس .. أما المحاولات الاولى فى العصر الحديث لفك طلاسم الوعى الانسانى والسلوك وماهيتهما فهى المحاولات التى قام بها العالم النمساوى سيجموند فرويد وقال فيها ان النفس تتكون من وعى ولا وعى اما الوعى فهو الجزء الضئيل وشبهه بالجزء الطافى من جبل الجليد فوق سطح الماء اما اللاوعى او الخافية فهو الجزء الاعظم وهو يحوى الرغبات الاولية البدائية وهى الغريزة مما دعا مجايله وشريكه كارل جوستاف يونج الى الاختلاف معه و الانفصال عنه فى بحثه ليؤكد ان اللاوعى الانسانى لا يمكن ان يكون مستودع قاذورات فحسب فلابد ان هناك اشياء جيده تحملها خافية الانسان واضاف ان اللاوعى هذا نوعين فردى يخص الانسان وتجاربه الخاصة وجمعى وفيه يحمل كل انسان ارث البشرية كله ويستدعيه فى احلامه و بعض حالات وعيه ايضا وتطورت المدارس الا ان جميعها استند بشكل او باخر على النظرية الفرويدية معدلا اياها او مصححا لبعض اجزائها او مستلهما للهيكل العام الخاص بها .

اقرأ أيضا  متلازمة فلورنسا – متلازمة القدس…. – من باريس مع حبي… و من القدس أيضا (الطريق من المعبد إلى المصحة النفسية)

وعبر سنوات عدة حاول الانسان مزج المعارف والعلوم الشرقية بالغربية والعملية الجافة بالروحانية الرقيقة حتى نشأت نظرية جديدة فى علوم النفس من نظريات الوعى وهى الوعى عبر شخصى وفيها افتراض ان الوعى الانسانى يمتد خارج جسده مكانيا ليشمل محيطه وصولا الى الكون بأكمله كما أنه يمتد عبر الزمن ليضم ليس فقط خبرات الانسان الحياتية والتى تعتبر بعضها فى النظريات الكلاسيكية غير مدركة كتجربة الميلاد مثلا وانما ايضا خبرات الجنس البشرى مرورا فى الزمن حتى لحظة البدء الاولى للكون

وتعتمد النظرية طريقة علاج تسمى العلاج الهولوتروبى معتمدة على ان النفس و الجسد و الروح وحدات متكاملة متداخلة تصب فى بعضها البعض واى اذى لاحد تلك العناصر يصيب العناصر الاخرى بالخلل لذلم فيكون العلاج متكاملا ضاما لكل تلك العناصر فى سعى نحو التكامل تكامل العملية العلاجية لتؤدى الى تكامل اجزاء النفس البشرية مما يؤدى الى حالة السلام الداخلى

فى حالة الهولوتروبيك وبتقنيات محددة يدخل الانسان الى حالات مختلفة من حالات الوعى يتجاوز فيها حدود الذات متجاوزا اياها ومندمجا فى عوالم تحملها جيناته فى ارث ابدى للوعى الكونى قد تكون عوالم مكانية وقد تكون عوالم زمانية مختلفة تصل حتى يصل الانسان لحالة التجلى العظمى وهى المعروفة فى علوم التصوف بالاتحاد  او الحلول كما يندمج مع عوالم مكانية اخرى وكائنات اخرى ويعيش تجارب مختلفة من الوعى

تبدأ العملية العلاجية لاعراض نفسية كالاكتئاب او القلق بتمارين استرخاء و التنفس حتى يستطيع الاقتراب من حالة وعى مختلفة او مستوى وعى اخر اعمق وتتمحور الازمة او العقدة الانسانية طبقا لتلك النظريةفى الميلاد لحظة الميلاد ذاتها فحالة الصراع هنا المناظرة لحالة الصراع الاوديبى عند فرويد وصراع تحقيق الذات فى عند روجرز وماسلو تتمثل فى حالة المخاض والخروج خروج الرأس من الرحم الى الحياة وحالة الضغط الرهيبة التى يمر بها الانسان وتفترض النظرية ان هذا جزء من الوعى الانسانى .

اقرأ أيضا  متلازمة فلورنسا – متلازمة القدس…. – من باريس مع حبي… و من القدس أيضا (الطريق من المعبد إلى المصحة النفسية)

وعلى ذلك نجد أن المراحل التى يتكون منها الوعى طبقا للنظرية تكون اربعة فى الاساس .


المرحلة الأولى

الجنة أو النعيم المقيم

 

وهى المرحلة التى يتواجد بها الانسان داخل الرحم وفيها يستمد كل ما يتاج من الام من غذاء ورعاية وحماية وأمان

وفى أثناء جلسات العلاج الهولوتروبى يعيش الانسان حالة مشابهة ايضا من ناحية الوعى

 

المرحلة الثانية

مرحلة اللامخرج

 

وفيها يكابد الانسان معاناة الأختناق حيث لا مخرج ولا متنفس

وهى المرحلة التى توازى الانقباضات الرحمية فى اثناء عملية الولادة

ويشعر فيها الانسان بحالة من اليأس والخوف .

 

المرحلة الثالثة

صراع ثنائية الحياة والموت

 

وهى توازى المرحلة التى ينفتح فيها عنق الرحم ويمر فيها الانسان بقناة الميلاد من الرحم الى خارجه فى بدايته يجد الانسان ضغطا ثقيلا من الانقباضات يكاد يصل الى مرحلة التهشم وكنه يلمح بصيص أمل فى نهاية القناة تجعلة يملك الرغبة والمقاومة للخروج الى بصيص الامل الرابض هناك فى نهاية الممر  وفيها يدفعة الرعب من الموت ونشوة الاقتراب الى الاستمرار فى استكمال الطريق الى نهايته والوصول الى نهاية الممر / الأمل.

 

المرحلة الرابعة

الخروج الى الحياة

 

عندما ينفتح عنق الرحم وبعد خروج الجسد كاملا
تاركاً الرحم إلى الأبد بلا عودة ,..

يبدأ فى الاحساس بالفرحة الغامرة لاستعادتة الجنة المفقودة ولو بشكل مؤقت ويكون هذا بالتوازى مع الوصول الى عالم المعاناة الفعلى .
نلاحظ هنا التناص بين هذه المراحل وقصة الخلق  (ادم وحواء) وهبوطهما من الجنة وانغماسهما ولنا ألا نقول ببعض الشطحات عن رمزية الخلق والقصص المقدسة القديمة الا اننا على اقل تقدير لابد وان نعترف أن ثمة إرث انسانى وكونى يكمن بشكل سرى فى داخل جينات الانسان ونستلهم هنا قول ابن عربى عن الانسان : وفيك انطوى العالم الاكبر وكأن الكون الكبير مجسد بشكل مكثف فى النفس البشرية وكأننا لازلنا نحتاج الى التساؤل و البحث ومحاولة الفهم التى هى بلا شك…. أبدية .

اقرأ أيضا  متلازمة فلورنسا – متلازمة القدس…. – من باريس مع حبي… و من القدس أيضا (الطريق من المعبد إلى المصحة النفسية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *