لوحة و فنان و علبة ألوان

 

منذ لحظات قليلة كنت أتحدث مع إحدى صديقاتى على الهاتف، كان الحديث جادا فى أول الأمر لدرجة أننا انفعلنا من شدة أهميته، لا أدرى كيف انتقلنا من الجدية إلى الهزل بالحديث عن الرسم.نسينا هدفنا الأساسى من المحادثة وأخذنا نسرد فى الحديث عن الرسم ونتذكر معا حصص الرسم والألوان، صديقتى تحب الرسم كثيرا وهى مبدعة لكنها لا تحب استخدام الألوان، ترى أن لوحاتها تبدو أفضل بالأبيض والأسود بدون ألوان ،عارضتها فى الرأى ولكن دون جدال ….ثم أنهينا المحادثة……..



نظرة……..تساؤل و إجابة

لا أدرى لما ظللت أفكر بعدها كثيرا فى أمر الرسم بل وأخذت أتذكر حصص الرسم فى مرحلتى الابتدائية والإعدادية وابتسمت لهذه الذكريات اللذيذة لكن سؤالا واحدا ظل يدور فى رأسى كثيرا من هو الفنان الحقيقى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

فكرت كثيرا ولكن بلا فائدة، خرجت إلى الشرفة ونظرت حولى إلى السماء إلى الأرض إلى المبانى إلى الناس لعلنى أعثر على اجابة لسؤالى ،تأملت قليلا ثم شعرت بأنى بدأت أقترب من إجابة سؤالى وذلك حينما حاولت أن أتخيل الكون من حولى مجرد لوحة مجردة تماما من الألوان.

أغمضت عينى وحاولت أن أتخيلها مثلما ترسمها صديقتى لا لون لها ،حاولت أن أتخيل الشمس بدون لونها الذهبى الصافى …والشجر بدون خضرة تكسوه …والأزهار عارية بدون أثواب مختلفة الألوان من أحمر وأزرق ووردى وبرتقالى وغيرها ….والسماء بدون لونها العذب نهارا ….ونجومها وقد انطفأت وسقطت من فوق سجادة السماء ليلا …….نظرت الى الثمار من خضر وفاكهة بدون ألوانها كيف يمكننى أن أتذوق طعمها هل هو نفس المذاق أم ماذا ؟……….

لكنى سرعان مافتحت عينى من جديد ونظرت حولى مرة أخرى لأرى كل تلك الألوان من حولى فابتسمت ابتسامة تنم عن سعادتى بما أرى، وكأننى وجدت و لأول مرة أن الواقع أجمل بكثير من الخيال ……….فسبحان من صنع وأبدع هذا الكون فى أجمل لوحة وكساه بأبهى حلة………

لكنى لم أصل بعد إلى إجابة سؤالى ….وفجأة لمعت أمامى الإجابة فى نظرى هى الأفضل …لكنى لا أدعى المعرفة ولم أقتبسها من أحد ما لكن والله حقا هذا ما أشعر به وما يمليه قلبى لذا سأقوله.

من هو الفنان الحقيقى؟

إن كنت تسألنى أنا ..سأقول هو من يستطيع أن يرسم حياته بأسرارها وتعقيدها وتفاصيلها كلها فى لوحة…فإن كان وحيدا منعزلا ستجد لوحته فارغة باهتة الجمال خالية من التفاصيل وخالية من الأشخاص و نادرا ما سيحتاج للألوان ……وإن كانت حياته صاخبة تضج بالحيوية مليئة بالتفاصيل اجتماعية لا للوحدة فيها مكان ،حين تنظر الى لوحته تجدها مزدحمة متكدسة والألوان تملأها حيوية، ورغم أنك قد تشعر بأنها لم تعد لوحة جميلة بسبب ازدحامها لكن من يكترث لذلك ؟حينما ترسم لوحة حياتك لا يهمك رأى الآخرين لأنها ليست قابلة للشراء فهذه لوحتك أنت ..وهذه حياتك أنت. 

الفنان الحقيقى هو أيضا من يستطيع أن يكتشف حقيقة الأشخاص فى حياته طبيعتهم أصلهم ومعدنهم …إن استطاع أن يكتشفها بالتأكيد يمكنه أن يرسم كل منهم فى لوحته طبقا لحقيقته ،كذلك لايضيف الألوان عبثا ، فالألوان شخصيات.

ألوان وشخصيات

على سبيل المثال إن كان فى حياتك إنسانا طيبا حنونا واضحا ..فإنك لابد وأن تمنحه ألوان تعبر عنه مثل الأبيض و الأخضر و الوردى …أو ربما يكون جريئا ورومانسيا ويعشق الجنون والمغامرة والانطلاق..حينها تفضل أن يحظى بألوان جريئة مثل الأحمر و البرتقالى …لكن احذر مثلما تجد الخير تجد الشر يحوم حوله ..قد تقابل من هو منافق متلاعب كالأفعى، له أكثر من وجه ،احذر منه وامنحه ألوانا تناسبه مثل الرمادى والألوان الداكنة مثل الكحلى و الزيتى و الأسود فهو كالحرباء له أكثر من لون…………

تذكر ألا تتسرع فى اضافة الألوان للأشخاص فى لوحتك كما أحيانا تتسرع فى حكمك على الأخرين …لأنك أحيانا قد تظلمهم ..وسوف تشعر أن هناك أمرا ما أصاب لوحتك وشوه جمالها لذا انتظر وقتا كافيا لكى تعرف إنسانا على حقيقته فهذا لا يحدث بين ليلة وضحاها …..لذا إن قابلت إنسانا ما واستطعت أن تتاكد جيدا من بعض صفاته ولكن مازلت لم تعرفه كليا بعد، كن فطنا واترك دائما مساحة فى رسمته على لوحتك بدون الوان واجعل هذه المساحة هى منطقة الصدر لأنها محل القلب …..فأنت لا تدرى… الدنيا لا تدوم على حال واحد وكذلك القلوب ..من كان أسود القلب ربما بأمر الواحد عز وجل يصبح أبيضا وكذلك النقيض …..انا لا أعلم وكذلك أنت، وحده الله مقلب القلوب علام بذات الصدور…….

الخاتمة

ختاما وأنا أنحنى من شدة خجلى لأننى أطلت الحديث ،لا يهم أن تكون دارسا للفن حتى تستطيع أن تكون فنانا فما اتحدث عنه هنا نوع أشمل من الفن إنه فن الحياة …فن التعرف على النفوس وتجسيدها فى لوحة ،ربما تكون هذه اللوحة هى الأولى والأخيرة ولكنها بلا شك أغلى وأقيم من كل لوحات العالم …هذه اللوحة هى حياتك وحياتك قصة لا يمكن أن يكتبها أحد سواك….حياتك لوحة لا يمكن أن يرسمها أحد سواك ولا تقدرها كنوز الدنيا قيمة ……لأنها حياتك أنت خلقها الله لك ،لذلك هذه القصة لهذا الكاتب وهذه اللوحة لهذا الفنان وهذه الحياة لهذا الانسان.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *