رحاب هانى تفتح عنبر الحواديت

عنبر الحواديت هو اسم الكتاب الثالث لـ رحاب هانى بعد كل من (كلام فاضي) و (الغطا و الحلة) و فيه تطور أسلوبها بشكل ملحوظ و إن لم يتطور المضمون ، فما زالت تدور في نفس الفلك .

تقص الكاتبة بعض التجارب التي مرت بها في حياتها على شكل حدوتة صغيرة و بسيطة ، و بخفة دمها المعتادة أستطاعت أن تمرر لك خلاصة تلك التجارب ، و أنا شخصيا يعتمد تقييمي لما اقرأه على حسب درجة إلهامه لي ، و إلى أي مدى استطاع الكاتب أن يحرك أفكاري ، و في هذا الكتاب نجحت الكاتبة بشكل كبير في إثارة الكثير من الأفكار التي تعتبر هواجس لدي .

كنت أستعد للخروج من الجامعة بعد انتهاء محاضراتي حتى قابلت بالصدفة صديق ، كان أكبر مني سنا ، تخرج العام الماضي ، إلا إنني لما رأيته  وجدته كأنه كبر ألف عام ، بهتت بشرته ، و خفت الضي في عينيه ، و ظهر الثقل في خطواته ، و قد كان في الماضي مشرق الوجه تزين ملامحه الابتسامة ، حتى لتحب النظر إلى وجهه ، و ما كنت تحسبه إذ رأيته يسير على قدميه من سرعة خطواته و خفة حركته ، و كان طموحا يلمع حلمه في عينيه ، فكل من قابله أجمع على أنه لن يحول بين هذا الشاب و بين أحلامه سوى الموت ، فما الذي حول صديقي إلى هذا المسخ الذي أمامي؟! سألته عن أخباره ، فأجاب إنه يعمل في وظيفة مؤقتة إلى حين أن يجد الوظيفة المناسبة ، أكد علىّ مرة أخرى أنها وظيفة مؤقتة و كأنه يؤكد ذلك لنفسه ، و كأنه يقول إنه ما زال يؤمن بأحلامه و إن كان الواقع لا يؤمن بها ، عرفت أنه كان مخيرا بين أمرين لا ثالث لهما ، إما أن يستمر في محاولة تحقيق حلمه في بيئة غير صالحة لزراعة الأحلام ، و الخيار الثاني أن يكون واقعيا و يبحث عن أي فرصة عمل حتى و هو يعلم أنه سيظل سجينا لها إلى الأبد ، كان مستعدا أن ينحت في الصخر بأظافره ، لكن الواقع بتر يديه و قدميه و لم يترك له إلا رأسه ليضربها في الحائط ، لم يكن صديقي يطمع في منصبا مرموقا ، أو وظيفة ذات دخل كبير ، كل ما تمناه هو أن يعمل في المجال الذي يحبه ، و الذي أفنى أربع سنوات من عمره في دراسته في الجامعة ، فاكتشف أنه أضاع تلك السنوات هباءا ، و أضطر حتى لا يصير عالة على أسرته أو كسول من وجهة نظر المجتمع إلى وأد أحلامه ، و الإنسان إذا فقد غاية وجوده تحول إلى ميت يسير على قدمين  ، و كل ما أخشاه أن يكون مصيري مشابه لمصير صديقي .



مع الكاتبة

الصور أجزاء من الذاكرة استطاع العلم تحويلها إلى شئ ملموس ، و كلما غلبني الحنين إلى ذكرياتي القديمة أعود للصور لعلي آخذ منها قبسا من نور يضئ دربي إذا ما أظلم الطريق ، و أنا ممن يحترم ذاكرته ، لذلك ما زلت أحتفظ بكل صوري منذ أن كنت صغيرا و إلى الآن ، من بينها صوري أثناء المرحلة الابتدائية مع مجموعة من الأصدقاء ، ثم في المرحلة الإعدادية مع آخرين و في الثانوية مع غيرهم ، و في الجامعة تعرفت على مجموعة جديدة ، كل مرحلة من عمري كان لي فيها أصدقاء مختلفين ، هذا الأمر و إن كان ظاهره حسن و هو التعرف على أشخاص جدد ، فباطنه عذاب ، عذاب أن أشعر أن رفيق دربي الذي يتلقى معي طعنات القدر هو مجرد رفيق مرحلة سينتهي دوره في حياتي بانتهائها ، ليحل محله آخر و هكذا ، أن يتحول من كان يوما كاتم أسرارك إلى شخص عادي مثله مثل الأخرين ، و عندما تتقابلا لا تملكا كلاما تقولونه لبعضكما ، هذا الذي ما كنت تشبع من الحديث معه في الماضي ، فتتبادلا الصمت ، و في أعينكما نظرات تشيع جنازة صداقة كانت يوما تجمع بينكما ، كل ما أخشاه أن تفرق الأيام بيني و بين أصدقائي ، أو تستمر الحياة في لعبتها المفضلة بتغيير الأدوار .

 كنوع من النوستالجيا أحب أن أسمع أغاني الأطفال و التي كنت أسمعها في صغري ، و أثناء سماعي لأغنية ذهب الليل لمحمد فوزي ظلت جملة (لحد الشبر و نص ما يكبر و يروح الجامعة) ترن في أذني ، إنها أغنية كنت أسمعها منذ أن كنت شبر و نص ، و أنا الآن صرت في الجامعة و على وشك التخرج بإذن الله ، الأيام بتجري و نفوسنا ما زالت تشتاق إلى أن تعيش اللحظة و أن تستمتع بها ، و كل ما أخشاه أن يتسرب العمر من بين يدي دون أن أكون قد عشته بما يجب .

لقد نجح (عنبر الحواديت) في إثارة هواجس خسارة الأحلام و فقدان الصديق و ضياع العمر .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *