محمد على كلاى (أسطورة الملاكمة) .. ماذا فعل ليكون رياضى القرن العشرين؟



“أحلق كالفراشة و ألسع كالنحلة” هكذا وصف نفسه أسطورة الملاكمة العالمية المسلم محمد على كلاى الذى تم اختياره

كرياضى القرن العشرين وهي جائزة مقدمة من مجلة “جلة سبورتس ايلاستريتد” فى عام 1999 م.

تم تأكيد هذا اللقب بعد استفتاء أقامته صحيفة لاغازيتا ديلو سبورت الإيطالية بعدما حصل على 71.2% من الأصوات متفوقاً على العديد من الرياضين، و هى نسبة ضخمة جدا لو أشرنا إلى أنه مارس مختلف الرياضات فى القرن العشرين ملايين الرياضيين الأفذاذ.

فلك أن تتخيل عزيزى القارىء أى مسيرة و أى نجاحات قد تؤهل أى رياضى ليتوج بأنه الأفضل على الإطلاق خلال مائة عام كاملة و فى ما يلى سنلقى الضوء على حياته المثيرة للجدل و مشواره الرياضى و ما حققه من إنجازات طوال حياته و سنحاول أن نظهر جوانب من حياته لم يعلمها الكثيرون.



 

ميلاد و نشأة الأسطورة

ولد محمد على كلاى فى السابع عشر من يناير العام 1942 م فى مدينة لويسفيل بولاية كنتاكى الأمريكية، و كان يحمل اسم (كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور) حيث ولد لعائلة من الطبقة المتوسطة.

كان أبوه ميثوديا، لكن قام كل من أمه و أخاه بتربيته على المذهب المعمداني،كان والده يعمل خطاطا، و من هذا المكان بدأت مسيرة هى الأنجح على الإطلاق لولد أسود صغير فى وسط يعانى من العنصرية و الظلم.

صدفة نادرة تزج بمحمد على كلاى لعالم الملاكمة

كلاى فى شبابه

بدأ محمد على كلاى الملاكمة فى الثانية عشر من عمره، و ذلك عندما سرق أحدهم دراجته الهوائية، وكان وقتها يلعب مع أحد أصدقائه فى إحدى صالات الألعاب الرياضية بالمدينة، وثار الصبى الأسمر ثورة عارمة عندما اكتشف سرقة دراجته، وتوجه بالكلام إلى رجل شرطة كان أمامه وقتها مهددا بعقاب الجانى، فما كان من رجل الشرطة إلا أن سخر من الصبى الطويل النحيف قائلاً له: “من الأفضل لك أن تتعلم الملاكمة أولاً قبل أن تحاول ضرب أحد”، لتكون هذه الجملة بداية قوية لمحمد على كلاى فى عالم الملاكمة.
تألق محمد على كلاى فى سن صغير جدا كملاكم هاو، مما أهله للفوز بالعديد من الألقاب المحلية و الوطنية قبل أن يتم عامه الثامن عشر فلفت الأنظار إليه بشدة.

انضم للمنتخب الأمريكى المشارك فى دورة الألعاب الاوليمبية الصيفية فى روما عام 1960 م، و كان محمد على كلاى على قدر المسؤلية كعادته ليحرز لبلاده ميدالية ذهبية أوليمبية فى الملاكمة لوزن خفيف الثقيل.

 

حان موعد الاحتراف لكتابة تاريخ جديد

عقب إحراز محمد على كلاى لذهبية الملاكمة الاوليمبية بوقت قصير، و فى نفس العام فى اكتوبر 1960 م يعلن محمد على كلاى احترافه للملاكمة ليخوض و على مدار ثلاث سنوات 19 مباراة فاز فيها جميعا منهم 15 مباراة بالضربة القاضية الفنية.

و يدخل محمد على كلاى التاريخ فى عام 1964 م و هو ابن الثانية و العشرين فقط، وذلك عقب إطاحته بسونى ليستون بطل العالم فى ملاكمة المحترفين للوزن الثقيل من على عرش بطولة العالم بعد أن هزمه محمد على كلاى فى نزال البطولة، ليصبح أصغر بطل للعالم فى هذه الفئة محققا رقما قياسيا للملاكم القوى الموهوب، و استمر محمد على كلاى فى تحقيق الانتصارات المتتالية حتى جاء العام 1967 ليكتب فصلا دراميا فى حياة الاسطورة.

اقرأ أيضا  الكعبة المشرفة..المسجد الحرام..بيت الله الحرام..درة مكة المكرمة،من بناها وهل هدمت؟وهل ستهدم آخر الزمان؟

حرب فيتنام توقف مسيرة البطل

 

أوقفت حرب الولايات المتحدة الامريكية مع فيتنام مسيرة محمد على كلاى الناجحة فى عالم الملاكمة للمحترفين، و لكن ليس كما تظن عزيزى القارىء بأنه توقف ليخوض الحرب بل ماحدث هو العكس تماما، حيث رفض محمد ع كلاى الإنضمام للجيش الأمريكى لخوض هذه الحرب الظالمة شأنه شأن الكثير في ذلك الوقت.

كلاى مستمعا لإليجاه محمد

وكان قد تلقى دعما من الكثيرين في معارضته وقد تكبد الجيش الأمريكي خسائر كبيرة في تلك الحرب كما  توقع هو و كان قد قال : “هذه الحرب ضد تعاليم القرآن، وإننا – كمسلمين – لا يجب أن نخوض حروبًا إلا إذا كانت في سبيل الله”.

كما أعلن في عام 1966م “لن أحاربهم فهم لم يلقبوني بالزنجي ولم ينته الأمر عند هذا الحد فقد أعلن أن عقيدته الإسلامية لا تنسجم مع التزامات الجنود في تلك الحرب، وأنه لا يستطيع أن يجرح أو يقتل أخرين لا معرفة له بهم، أناس لم يتسببوا له ولا لبلده بأي ضرر، مضيفا أن تلك لم تكن المهمة التي كلفه الله بها و قرر هو الإلتزام بها.
ولفت محمد على كلاي في أثناء شرحه لظروف رفضه المشاركة في حرب فيتنام إلى أن هذا القرار كلفه الكثير، وأن الملايين تخلو عنه لهذا السبب، وكشف أن السلطات الأمريكية حاولت إغراءه كثيرا و بشتى الطرق، منها أنهم وعدوه بأنه لن يحمل سلاحا في يده مطلقا، وأنه لن يقترب مطلقا من المناطق الساخنة الخطرة فى الحرب، إلا أنه لم يتخل عن قراره على الرغم من هذه العروض المغرية، وذلك لأنه أعتقد أن الحكومة الأمريكية كانت تريد استغلاله للدعاية لهذه الحرب الظالمة.

و بناء على ذلك و فى العام التالى تم سحب لقب بطولة العالم منه، كما أحيل محمد على كلاى إلى السجن، وتم إلغاء رخصة الملاكمة، و استمر ايقافه 4 سنوات ابتعد فيها عن ممارسة رياضته المحببة.

عودة للأمجاد مرة اخرى

فى عام 1970 تم إلغاء قرار المحكمة بإيقافه و رفع الحظر عنه ليعود و يشارك فى مباريات الملاكمة من جديد، و كانت عودته قوية حيث بدأ بمواجهة جو فريزر الملاكم القوى الذى لم يهزم من قبل شأنه شأن كلاى فى مباراة عرفت بانها مباراة القرن، و كانت عبارة عن ثلاث مباريات، فاز كلاى فى اثنتين منها.

و لم يهدأ البطل حتى استعاد عرشه المفقود كبطل للعالم و ذلك عام 1974 بعد أن أطاح بالملاكم جو فورمان في واحدة من أقوى المباريات في تاريخ الملاكمة، استطاع محمد علي الانتصار عليه في زائير 1974 وكانت المباراة في غابة لذا سميت بـملاكمة أو مواجهة الغابة.

في الواقع لم يتوقع أحد انتصار محمد علي على فورمان بسبب قوة فورمان والذي استطاع الانتصار على فريرز بنتيجة ساحقة وفي اجمالي الإحصائيات فأنه اوقع به بلكمة واحدة 6 مرات في 4 دقائق و30 ثانية. لكن وبتكتيك مدهش استطاع محمد علي الانتصار على فورمان والحصول على اللقب وكانت مواجهة الغابة الموضوع الفائز للافلام الثقافية في عام 1996 وصنفت المباراة بأنها سابع أعظم لحظة رياضية في التاريخ.

وفقد كلاى لقبه عقب ان خسر أمام ليون سبينكس عام 1978، لكنه تمكن في نفس العام وهو في السادسة والثلاثين من عمره من استعادة اللقب العالمي للمرة الثالثة في تاريخه.

اقرأ أيضا  أفضل نادي ملاكمة في جدة .. كيف تصبح ملاكم في السعودية؟

خاض محمد على كلاى طوال حياته الرياضية كمحترف التى استمرت حتى عام 1981، ليعتزل و هو فى التاسعة و الثلاثين من عمره 61 نزالا فاز فى 56 منها، و كان للضربة القاضية الفنية النصيب الاكبر فى انتصاراته حيث انتصر بها 37 مرة، و خسر كلاى طوال مسيرته الحافلة 5 مرات فقط كانت أمام الملاكم جو فرايزر فى 1971/3/8 م، وثانيها أمام كين نورتون 1973/3/31 م، وثالثها أمام ليون سبينكس 1978/2/15 م، ورابعها أمام لاري هولمز 1980/10/2 م، وخامسها أمام تريفور بربيك 1981/12/11 م.

الإيمان و الإلتزام يتزامنا دوما مع النجاح

تعرض محمد على كلاى فى بداية حياته للإهانة و الظلم شأنه شأن كل السود وقتها بسبب العنصرية المؤلمة التى لا يمكن أن تتقبلها الانسانية، و قد تأثر كلاى كثيرا بسبب ذلك حتى أنه قال إنه كان يبكي كل ليلة تقريبا قبل أن يخلد للنوم من الشعور بالإهانة الدائمة التي يتعرض لها السود في أمريكا.

كلاى و لكماته الشهيرة

و لذلك انشغل مبكرا بالبحث عن مثل عليا  و مبادىء يتخذها طريقا في حياته اللاحقة تحدد له خياراته وقراراته المصيرية، وقاده هذا الشعور للتعرف على الإسلام في سن السابعة عشرة، فانجذب إليه واستقر فيه،و اختار الانتماء إلى جماعة أمة الإسلام فى البداية، و فى الواقع لاقى محمد على كلاى بعض الرفض من الجماعة في بداية انضمامه إليها (وأطلق عليه وعلى الأمريكيين من أصل أفريقي في ذلك الوقت، المسلمين السود) وذلك بسبب امتهانه الملاكمة.

ولكنه وفي عام عام 1964 م وبعد أن استطاع محمد علي كلاى إقصاء الملاكم سوني ليستون عن عرش الملاكمة وكان عمره لا يتجاوز 22 عاماً آنذاك، أصبحت جماعة أمة الإسلام أكثر تقبلا له ووافقت على تجنيده كعضو فيها.

و قام كلاى بتغيير اسمه الى محمد على كلاى و احتفظ بكلاى من اسمه القديم ولم يستمر انضمام محمد علي إلى جماعة أمّة الإسلام طويلًا؛ حيث كان يختلف مع الكثير من أفكارهم فاعتنق الإسلام السني مذهب أهل السنة والجماعة. ثم أنشأ أعماله الخيرية والدعوية محاولًا تصحيح الصورة الخاطئة التي رسخت في أذهان الغرب عن الإسلام والمسلمين وقد كان يفتخر بأنه مسلم سني.



زيجات عديدة و أولاد كثر

تزوج محمد علي أربع مرات ولديه سبع بنات وولدين.

كان زواج محمد علي كلاى الأول من نادلة الكوكتيل صونجي روى حيث تزوجا في 14 أغسطس 1964. و قد انهار هذا الزواج بسبب اعتراضات الزوجة المستمرة على ما فرضه الاسلام من احتشام و احترام بالنسبة لملابس المرأة، ولقد تم الطلاق في 10 يناير 1966م وهو في الخامسة والعشرين من عمره.

ثم تزوج محمد علي بعد ذلك من بيلندا بويد – 17 عاما ً في يوم 17 أغسطس 1967. وأسلمت بيلندا بعد الزواج، وأصبح اسمها خليلة علي، و انجبو 5 اولاد، وفي صيف عام 1977, انتهى الزواج الثاني لمحمد علي كلاى.

كان الزواج الثالث لمحمد على كلاى بعدتعرفه على امرأة تدعى فيرونيكا بورش في عام 1975، وتزوج من فيرونيكا بعدها بسنتين عقب طلاقه من بيلندا. و أنجبوا طفلة اسمها هناء، كما أنجبوا طفلة أخرى اسمها ليلى، ولكن تم الطلاق بينهما في عام 1986.

وفي 19 نوفمبر 1986, تزوج محمد علي بيولندا علي بعد معرفة بدأت منذ عام 1964م في لويسيفل. وكانت والدتهما صديقتان مقربتان. وتبنوا طفلا ً واحدا ً اسمه أسعد.ولمحمد علي بنتان أخريتان هما مايا وخليلة من علاقات أخرى قبل إسلامه.
و من بين كل أولاده لم يمارس الملاكمة سوي ابنته ليلى التى خطت على نفس درب ابيها فى عالم الملاكمة لتصبح الأشهر بين اولاده التسعة و قد قالت ليلى عن ابيها أنه أشهر و أعظم الرياضيين فى التاريخ و أنه يطلب منها دائما أن تعطى و تحرص على عمل الخير دوما كما أشارت إلى أنه قال أن انتصاره على سوني ليستون، حينما فاز بأول لقب كبطل للعالم، أعظم لحظة في مشواره المهني. و يقول الكثيرون أن ليلى هى اقرب أولاده لقلبه.

اقرأ أيضا  أفضل نادي ملاكمة في جدة .. كيف تصبح ملاكم في السعودية؟

 

مرض عضال و صبر و نهاية محتومة للكل 

الأسطورة كلاى

أصيب محمد علي في عام 1984 بداء باركنسون أو كما يعرف بمرض الشلل الرعاش، و يبدو أن حياته المهنية الرياضية الناجحه أبت إلا أن تترك أثرها المضاد على حياة محمد على كلاى. إذ يبدو أن الملاكمة لفترات طويلة، و التعرض للضربات القاسية فى الوجه و الرأس، قد تسببا بخلل عصبى لمحمد على كلاى جعله يعانى من المرض لبقية حياته، لكن الأطباء أبلغوه بأنه على الرغم من حاجته إلى تناول العلاج بقية حياته، فإنه سيكون قادرا على ممارسة حياته بشكل طبيعي نسبيا.

وفي عام 1987، قال محمد علي كلاى إنه رفض إجراء جراحة تجريبية في المخ.وعلى الرغم من أن أعراض المرض كانت دائما واضحة عليه، لكن عقله بدا يقظا، وظل محتفظا بروح الدعابة لديه بصورة كبيرة.
وتدهورت حالة محمد على كلاى الصحية في عام 2005 بشكل ملحوظ،وتوالت بعدها نكساته الصحية، حيث كان يقضي فترة من الوقت كل سنة في مستشفى في مدينة فينيكس بولاية أريزونا.

ختام مسيرة هى الأنجح على الإطلاق

وفي الثاني من يونيو 2016 أدخل محمد على كلاي للمستشفى مُجددا بسبب مشكلة في التنفس، وبعدها أكّدت الصحف والقنوات العالمية بأن الملاكم الأسطوري يحتضر فعلاً، وأن عائلته تتجهز لإجراء مراسم الدفن بعدما أعلن الأطباء أنه على وشك الموت، قبل أن تُعلن وفاته صباح 4 يونيو عن عمر ناهز ال 74 عاما.وقالت عائلته إن تشييع الجنازة سيكون في مسقط رأسه لويسفيل كنتاكي.

ليسدل الستار عن حياة طويلة لبطل ندر أن يجد التاريخ مثله قدم خلالها أمثلة عديدة على الصبر و الرغبة فى النجاح و البحث عن الحقيقة و سكينة الروح و بالرغم من بعض الاتهامات له بالغرور حيث أطلق على نفسه لقب الأعظم إلا أنه حرص دوما على عمل الخير.



كان متمسك بتعاليم دينه ويمكن القول إن الإسلام أعاد تكوين محمد على كلاي،و أهداه الاطمئنان و الراحة و وجد البطل ذو الروح الكبيرة والعقل المتقد الذي لم تلهه قوته الجسدية عن البحث عن الحق والحقيقة، في هذا الدين المعنى الحقيقى للوجود وللعدل وللمحبة وللخير، ولذلك حين سئل عن موقفه من الأديان الأخرى، أجاب: “الأنهار والبرك والبحيرات والجداول بتسميات مختلفة، وكلها تحتوي على الماء، والأديان لها أيضا أسماء مختلفة وجميعها تحتوي على الحقيقة”.

رحم الله محمد على كلاى و غفر له و نتمنى أن يجد الشباب فى حياة أسطورة الملاكمة محمد على كلاى رياضى القرن العشرين خير المثل و القدوة الحسنة، و لنا أن نتسائل هل بإمكانك أن تترك أثرا بعد حياتك كما ترك محمد على كلاى؟

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *